ويحتمل أن يكون المراد به: أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان [ ص: 504 ] سبب قتاله: طلب إعلاء كلمة الله فقط. بمعنى: أنه لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة، أخل به.
وصرح nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري بأنه لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا . وبه قال الجمهور. كما حكاه صاحب الفتح. ولكنه يعكر على هذا: ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة: nindex.php?page=hadith&LINKID=669350 " أن الله لا يقبل من العمل، إلا ما كان خالصا". ويمكن أن يحمل: على قصد الأمرين معا على حد واحد. فلا يخالف ما قاله الجمهور.
فالحاصل: أنه إما أن يقصد الشيئين معا. أو يقصد أحدهما فقط.
أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا.
والمحذور: أن يقصد غير الإعلاء. سواء حصل الإعلاء ضمنا، أو لم يحصل. ودونه: أن يقصدهما معا. فإنه محذور على ما دل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة.
والمطلوب: أن يقصد الإعلاء فقط. سواء حصل غير الإعلاء ضمنا، أو لم يحصل.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12485ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله: لم يضره ما ينضاف إليه. وعلى هذا؛ يحمل حديث nindex.php?page=showalam&ids=3 "أبي هريرة " يأتي بعد هذا الباب.
[ ص: 505 ] وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو، فليس فيه ما يدل على جواز قصد غير الغزو في سبيل الله؛ لأن الغنيمة إنما حصلت بعد أن كان الغزو في سبيل الله. ولم يكن مقصوده في الابتداء.
وهذه الأحاديث: نصوص في محل النزاع، ومكان الامتياز بين المحق والمبطل.
قال في الفتح: والحاصل: أن القتال منشؤه القوة العقلية، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية. ولا يكون في سبيل الله، إلا الأول. انتهى.
وأقول: قد نبغت في هذا الزمان، بل في الزمان الذي كان قبل هذا، منذ قرون متطاولة: طائفة يحاربون الملوك، مسمين له بالجهاد. وإنما غرضهم بذلك: انتزاع الملك من أيدي الملوك، وإن كانوا من المسلمين. وتسلطهم عليه، وتحصيل المغنم. فهذا الإخلاص الذي وردت أحاديث الباب به، هم بمعزل عنه. وليس من الجهاد والشهادة في شيء.
وإذا رأيت تواريخ الملوك، وجدت أكثرهم كذلك. وهم يدعون الإسلام، ويخرجون على المسلمين ويفسدون في الأرض. والله لا يحب المفسدين. وقد سمعنا في الخلفاء الراشدين، ومن تبعهم بالإحسان: أنهم [ ص: 507 ] كانوا يغزون ويجاهدون في سبيل الله، ثم لم نسمع بأحد ولم نر أحدا كان حربه وقتاله لإعلاء كلمة الله، وإنما كان ذلك للدنيا والحرص عليها، وجبرهم وقهر غيرهم، إلا ما شاء الله. وقليل ما هم. بل ما هم بقليل أيضا. والله أعلم.