فقال لخالد: "ما منعك أن تعطيه سلبه؟" قال: استكثرته. يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه". فمر خالد بعوف، فجر بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب. فقال: لا تعطه. يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا [ ص: 11 ] فشرعت فيه، فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم ] .
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك) رضي الله عنه : (قال : قتل رجل من حمير رجلا من العدو) . وهو المددي المذكور في بعض الأحاديث . وهذه القضية جرت في غزوة مؤتة ، سنة ثمان . كما بينه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الرواية الأخرى .
(فأراد سلبه ، فمنعه nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد) رضي الله عنه ، (وكان واليا عليهم . فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك ، فأخبره . فقال لخالد : " ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ قال : استكثرته . يا رسول الله ! قال : " ادفعه إليه ". فمر خالد بعوف ، فجر بردائه . ثم قال : هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب . فقال : "لا تعطه . يا خالد ! لا تعطه . يا خالد ! ") .
وهذا الحديث قد يستشكل من حيث : إن القاتل قد استحق السلب ، فكيف منعه إياه ؟ ويجاب عنه بوجهين ;
أحدهما : لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل . وإنما أخره تعزيرا له ولعوف ابن مالك ، لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد " رضي الله عنه " ، وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه .
[ ص: 12 ] الثاني : لعله استطاب قلب صاحبه ، فتركه صاحبه باختياره وجعله للمسلمين . وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد ، للمصلحة في إكرام الأمراء . قاله النووي . ولا يخلو عن بعد.
وفيه : جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه . وأن النهي للتنزيه لا للتحريم . قاله النووي .
والحق : أن النهي للتحريم هنا . ولا يقاس أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (هل أنتم تاركوا لي أمرائي ؟) . هكذا هو في بعض النسخ : " تاركوا " بغير نون. وفي بعضها : "تاركون " بالنون . قال النووي : وهذا هو الأصل . والأول صحيح أيضا ، وهي لغة معروفة . وقد جاءت بها أحاديث كثيرة ;
(إنما مثلكم ومثلهم ، كمثل رجل استرعي إبلا؟ أو غنما فرعاها .
ثم تحين سقيها ، فأوردها حوضا ، فشرعت فيه ، وشربت صفوه [ ص: 13 ] وتركت كدره . فصفوه لكم) يعني : الرعية . (وكدره عليهم) يعني : على الأمراء .
قال أهل اللغة : " الصفو " هنا بفتح الصاد لا غير . وهو الخالص . فإذا ألحقوه الهاء ، فقالوا : " الصفوة " ، كانت الصاد مضمومة ، ومفتوحة ، ومكسورة . ثلاث لغات .
ومعنى الحديث : أن الرعية يأخذون صفو الأمور ، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد. وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور ، وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها ، وحفظ الرعية ، والشفقة عليهم ، والذب عنهم ، وإنصاف بعضهم من بعض . ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك ، توجه على الأمراء دون الناس .