(عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما ، (قال : لما أحصر النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ، عند البيت) . قال النووي : هكذا هو في جميع النسخ في بلادنا . وكذا نقله nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض عن رواية جميع الرواة ، سوى " ابن الحذاء " في روايته : " عن البيت "، وهو الوجه . وحصر وأحصر ، سبق بيانهما في كتاب الحج .
(صالحه أهل مكة ، على أن يدخلها فيقيم بها ثلاثا) سبب هذا التقدير : أن المهاجر من مكة ، لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام . وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها حكم الإقامة . وأما ما فوقها ، فله حكم الإقامة . وقد رتب الفقهاء على هذا : قصر الصلاة فيمن نوى إقامة في بلد في طريقه . وقاسوا على هذا الأصل مسائل كثيرة ، ليست من غرضنا في هذا الكتاب ، لعدم الدليل على أكثرها .
(ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح) . قال nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي : هو القراب وما فيه . " والجلبان " بضم الجيم . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض في " المشارق " : ضبطناه " جلبان " ، بضم الجيم واللام وتشديد الباء . قال : وكذا رواه الأكثرون . وصوبه nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وغيره . ورواه بعضهم بإسكان اللام .
[ ص: 170 ] وكذا ذكره الهروي وصوبه ، هو وثابت . ولم يذكر ثابت سواه .
وهو ألطف من الجراب . يكون من الأدم . يوضع فيه السيف مغمدا .
ويطرح فيه الراكب : سوطه وأداته ، ويعلقه في الرحل .
قال أهل العلم : وإنما شرطوا هذا لوجهين ;
أحدهما : أن لا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين .
والثاني : أنه إن عرض فتنة أو نحوها ، يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة .
(السيف وقرابه . ولا يخرج بأحد معه من أهلها . ولا يمنع أحدا يمكث بها ، ممن كان معه . قال لعلي : اكتب الشرط ما بيننا ; بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، صلى الله عليه) وآله (وسلم)) .
وفي رواية : "هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ".
قال أهل العلم : معنى " قاضى " هنا : فاصل وأمضى أمره عليه .
[ ص: 171 ] ومنه : قضى القاضي . أي : فصل الحكم وأمضاه . ولهذا سميت تلك السنة : "عام المقاضاة . وعمرة القضية. وعمرة القضاء ") . كله من هذا . وغلط من قال : إنها سميت : " عمرة القضاء " ، لقضاء العمرة التي صد عنها . لأنه لا يجب قضاء المصدود عنها ، " إذا تحلل" بالإحصار ، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، في ذلك العام .
وفي هذا الحديث : دليل على أنه يجوز أن يكتب في أول الوثائق ، وكتب الأملاك ، والصداق، والعتق ، والوقف ، والوصية ونحوها : هذا ما اشترى فلان . أو هذا ما أصدق . أو وقف . أو أعتق . ونحوه . قال النووي : هذا هو الصواب ، الذي عليه الجمهور من العلماء . وعليه عمل المسلمين في جميع الأزمان وجميع البلدان ، من غير إنكار . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وفيه دليل على أنه يكتفى في ذلك بالاسم المشهور ، من غير زيادة . خلافا لمن قال : لا بد من أربعة : المذكور ، وأبيه ، وجده ، ونسبه .
وفيه : احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها ، أو لتحصيل مصلحة أعظم منها ، إذا لم يكن ذلك إلا بذلك .
(فقال له المشركون . لو نعلم : أنك رسول الله تابعناك) . وفي رواية :
[ ص: 172 ] " بايعناك "، (ولكن اكتب : محمد بن عبد الله . فأمر عليا أن يمحاها . فقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي : لا. والله ! لا أمحاها) . وهذا الذي فعله nindex.php?page=showalam&ids=8علي " رضي الله عنه " ، من باب الأدب المستحب. لأنه لم يفهم من النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم : تحتيم محو nindex.php?page=showalam&ids=8علي بنفسه . ولهذا لم ينكر . ولو حتم محوه بنفسه ، لم يجز nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي تركه . ولما أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على المخالفة . (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أرني مكانها " ، . فأراه مكانها ، فمحاها . وكتب : " ابن عبد الله ،) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : احتج بهذا اللفظ بعض الناس ، على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كتب ذلك بيده ، على ظاهر هذا اللفظ . وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره نحوه . وقال فيه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=653920أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب ، فكتب ، وزاد : " nindex.php?page=hadith&LINKID=698737ولا يحسن أن يكتب فكتب . قال أصحاب هذا المذهب : إن الله تعالى أجرى ذلك على يده ، إما بأن كتب ذلك : القلم بيده ، وهو غير عالم بما يكتب . أو أن الله علمه ذلك حينئذ حتى كتب . وجعل هذا زيادة في معجزته ، فإنه كان أميا . فكما علمه ما لم يعلم ، وجعله يقرأ ما لم يقرأ ، ويتلو ما لم يكن يتلو:
كذلك علمه أن يكتب ما لم يكن يكتب ، وخط ما لم يكن يخط ، بعد النبوة . أو أجرى ذلك على يده . قالوا : وهذا لا يقدح في وصفه بالأمية .
[ ص: 173 ] واحتجوا بآثار جاءت في هذا ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وبعض السلف . وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يمت حتى كتب . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وإلى جواز هذا ، ذهب الباجي . وحكاه عن السمناني nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر وغيره .
وذهب الأكثرون : إلى منع هذا كله . قالوا : وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأول ، يبطله وصف الله تعالى إياه : بالنبي الأمي . وقوله تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك .
كما يقال : " رجم ماعزا ". وقطع السارق . وجلد الشارب . أي : أمر بذلك . واحتجوا بالرواية الأخرى : " فقال nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي : اكتب محمد بن عبد الله ".
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وأجاب الأولون عن قوله : " لم يتل ، ولم يخط " أي : من قبل تعليمه . كما قال الله تعالى " من قبله " . فكما جاز أن يتلو ، جاز أن يكتب . ولا يقدح هذا في كونه أميا . إذ ليست المعجزة مجرد كونه أميا . فإن المعجزة حاصلة بكونه كان أو كذلك . ثم جاء بالقرآن ; وبعلوم لا يعلمها الأميون . قال: وهذا الذي قالوه ، ظاهر . قال: وقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=698737ولا يحسن أن يكتب فكتب " ، كالنص أنه كتب بنفسه .
قال: والعدول إلى غيره مجاز . ولا ضرورة إليه . قال : وقد طال [ ص: 174 ] كلام كل فرقة في هذه المسألة . وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا . والله أعلم .
(فأقام بها ثلاثة أيام . فلما أن كان يوم الثالث) . هكذا هو في النسخ كلها : بإضافة "يوم" إلى "الثالث " . وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة . ومذهب الكوفيين : جوازه على ظاهره . ومذهب البصريين : تقدير محذوف منه . أي : يوم الزمان الثالث .
(قالوا nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي رضي الله عنه : هذا آخر يوم من شرط صاحبك . فأمره ، فليخرج. فأخبره بذلك ، فقال : " نعم " . فخرج) .
قال النووي : هذا الحديث : فيه حذف واختصار . والمقصود : أن هذا الكلام لم يقع في عام صلح الحديبية . وإنما وقع في السنة الثانية .
وهي عمرة القضاء . وكانوا شارطوا النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم " في عام الحديبية ": أن يجيء بالعام المقبل فيعتمر ، ولا يقيم أكثر من ثلاثة أيام . فجاء في العام المقبل ، فأقام إلى أواخر اليوم الثالث . فقالوا nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي هذا الكلام . فاختصر هذا الحديث . ولم يذكر أن الإقامة وهذا الكلام ، كان في العام المقبل . واستغني عن ذكره ، بكونه معلوما . وقد جاء مبينا في روايات أخر . مع أنه قد علم ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لم يدخل مكة عام الحديبية . والله أعلم .
[ ص: 175 ] فإن قيل : كيف أحوجوهم إلى أن يطلبوا منهم الخروج ، ويقوموا بالشرط ؟ فالجواب : أن هذا الطلب ، كان قبل انقضاء الأيام الثلاثة بيسير ، وكان عزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصحابه : على الارتحال عند انقضاء الثلاثة . فاحتاط الكفار لأنفسهم ، وطلبوا الارتحال قبل انقضاء الثلاثة بيسير . فخرجوا عند انقضائها ، وفاء بالشرط . لا أنهم كانوا مقيمين لو لم يطلب ارتحالهم .