" وحنين " : واد بين مكة والطائف . وراء عرفات . بينه وبين مكة : بضعة عشر ميلا . وهو مصروف كما جاء به القرآن العزيز .
(عن كثير بن عباس بن عبد المطلب ; قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=18عباس : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، يوم حنين . فلزمت أنا [ ص: 214 ] nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب : رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، فلم نفارقه) .
أبو سفيان هذا ، هو ابن عم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم . قال جماعة من العلماء : اسمه هو كنيته . وقال آخرون : اسمه nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة . وممن قاله : هشام بن الكلبي ، وإبراهيم بن المنذر ، والزبير بن بكار ، وغيرهم . وفي هذا : عطف الأقارب بعضهم على بعض عند الشدائد ، وذب بعضهم عن بعض .
(ورسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم على بغلة له بيضاء ، أهداها له : فروة بن نفاثة الجذامي) . هكذا في هذه الرواية .
وفي أخرى : " على بغلته الشهباء ، وهي واحدة . قال العلماء : لا يعرف له صلى الله عليه وآله وسلم ، " بغلة " سواها . وهي التي يقال لها : " دلدل " ونفاثة بضم النون ، وفاء ثم ألف ثم ثاء.
وفي رواية أخرى : " فروة بن نعامة " بالعين والميم . قال النووي : والصحيح المعروف : الأول . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض واختلفوا في إسلامه ;
[ ص: 215 ] فقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : أسلم وعمر عمرا طويلا . وقال غيره : لم يسلم .
وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : " أن الذي أهداها له : ملك أيلة ، واسمه (فيما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ) : يحنة بن روبة . والله أعلم .
قال أهل العلم : ركوبه صلى الله عليه وآله وسلم " البغلة" ، في موطن الحرب ، وعند اشتداد البأس : هو النهاية في الشجاعة والثبات . ولأنه أيضا يكون معتمدا ، يرجع المسلمون إليه . وتطمئن قلوبهم به وبمكانه . وإنما فعل هذا عمدا . وإلا ، فقد كانت له صلى الله عليه وآله وسلم أفراس معروفة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : قال بعض العلماء : إن هذه الأحاديث ، ناسخة لقبول الهدية . وقال الجمهور : لا نسخ . بل سبب القبول : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مخصوص بالفيء الحاصل بلا قتال ، بخلاف غيره . فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ممن طمع في إسلامه وتأليفه ، لمصلحة يرجوها للمسلمين . وكافأ بعضهم . ورد هدية من لم يطمع في إسلامه ، ولم يكن في قبولها مصلحة . لأن الهدية توجب المحبة والمودة .
[ ص: 216 ] وأما غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ; من العمال والولاة ، فلا يحل له قبولها لنفسه ، عند جمهور العلماء ، فإن قبلها ، كانت فيئا للمسلمين . فإنه لم يهدها إليه ، إلا لكونه إمامهم . وإن كانت من قوم هو محاصرهم ، فهي غنيمة . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ، وابن القاسم . وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم .
وقال آخرون : هي للإمام خالصة به . قاله أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12321وأشهب ، وسحنون .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : إنما رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من هدايا المشركين : ما علم أنه أهدي له في خاصة نفسه . وقبل ما كان خلاف ذلك ، مما فيه استئلاف المسلمين .
قال: ولا يصح قول من ادعى النسخ . قال : وحكم الأئمة بعد : إجراؤها مجرى مال الكفار ، من الفيء أو الغنيمة ، بحسب اختلاف الحال . وهذا معنى قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=936146هدايا العمال غلول " ، أي : إذا خصوا بها أنفسهم . لأنها لجماعة المسلمين بحكم الفيء والغنيمة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وقيل : إنما قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هدايا كفار أهل الكتاب ، ممن كان على النصرانية ، كالمقوقس وملوك الشام .
وفي الرواية الأخرى : " أنه نزل إلى الأرض حين غشوه " . وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر . وقيل : فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض ، من المسلمين .
وقد أخبرت الصحابة بشجاعته ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في جميع المواطن . كما يأتي فيما بعد هذا الحديث . "قال إن الشجاع منا : الذي يحاذي به " ، وأنهم كانوا يتقون به .
[ ص: 218 ] (قال nindex.php?page=showalam&ids=18عباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم أكفها ، إرادة أن لا تسرع . وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، أي nindex.php?page=showalam&ids=18عباس ! ناد أصحاب السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها " بيعة الرضوان " ومعناه : ناد أهل بيعة الرضوان ، يوم الحديبية . (فقال nindex.php?page=showalam&ids=18عباس - وكان رجلا صيتا -) ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14065الحازمي " في المؤتلف" : أن nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ، كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل ، وهم في الغابة فيسمعهم . قال : وبين سلع والغابة : ثمانية أميال .
(فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة ؟ قال : فوالله ! لكأن عطفتهم " حين سمعوا صوتي " عطفة البقر على أولادها . فقالوا : يا لبيك ! يا لبيك !) .
في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا ، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم . وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض ، من مسلمة أهل مكة المؤتلفة ، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا . وإنما كانت هزيمتهم فجاءة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ، ورشقهم بالسهام ، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه ، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر . وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة . فتقدم أخفاؤهم [ ص: 219 ] فلما رشقوهم بالنبل ، ولوا : فانقلبت أولاهم على أخراهم . إلى أن أنزل الله تعالى سكينته على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن .
(قال : فاقتتلوا والكفار) هكذا هو في النسخ . وهو بنصب الكفار . أي : مع الكفار (والدعوة في الأنصار ) بفتح الدال . يعني : الاستغاثة ، والمناداة إليهم (يقولون : يا معشر الأنصار ! يا معشر الأنصار ! قال : ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ; فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج ! يا بني الحارث بن الخزرج ! فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وهو على بغلته ، كالمتطاول عليها " إلى قتالهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : هذا حين حمي الوطيس) بفتح الواو وكسر الطاء ، وبالسين . قال الأكثرون : هو شبه التنور يسجر فيه ويضرب مثلا لشدة الحرب ، التي يشبه حرها حره .
وقد قال آخرون : " الوطيس " هو التنور نفسه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هي حجارة مدورة ، إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها . فيقال : الآن حمي الوطيس .
وقيل : هو الضرب في الحرب.
وقيل : هو الحرب الذي يطيس الناس . أي : يدقهم .
[ ص: 220 ] قالوا : وهذه اللفظة ، من فصيح الكلام وبديعه ، الذي لم يسمع من أحد قبل النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم .
(قال : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم حصيات ، فرمى بهن وجوه الكفار . ثم قال : انهزموا ، ورب محمد !) صلى الله عليه وآله وسلم (قال : فذهبت أنظر ، فإذا القتال على هيئته ، فيما أرى . قال : فوالله ! ما هو إلا أن رماهم بحصياته ، فما زلت أرى حدهم كليلا) بفتح الحاء . أي : ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (وأمرهم مدبرا) . هذا : فيه معجزتان ظاهرتان ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ;
إحداهما فعلية . والأخرى خبرية . فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بهزيمتهم ، ورماهم بالحصيات فولوا مدبرين .