والحاصل: أن المسلمين أجمعوا، على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت، وقبل ذلك: يجوز له الاستخلاف. ويجوز له تركه. فإن تركه، فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا. وإلا، فقد اقتدى nindex.php?page=showalam&ids=1بأبي بكر.
قال النووي : وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف. وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان، إذا لم يستخلف الخليفة. وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة، كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالستة. وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة. ووجوبه بالشرع لا بالعقل. وأما ما حكي عن الأصم، أنه قال: لا يجب، وعن غيره، أنه يجب بالعقل لا بالشرع: فباطلان. أما الأصم، فمحجوج بإجماع من قبله، ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور، يوم السقيفة. وأيام الشورى بعد وفاة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه. لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة، بل كانوا ساعين في النظر في أمر من يعقد له.
وأما القائل الآخر، ففساد قوله ظاهر. لأن العقل لا يوجب شيئا، ولا يحسنه ولا يقبحه. وإنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته.
قال: وفي هذا الحديث: دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله [ ص: 254 ] وسلم لم ينص على خليفة. وهو إجماع أهل السنة وغيرهم. قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وخالف في ذلك: بكر ابن أخت عبد الواحد، فزعم: أنه نص على أبي بكر. وقال ابن راوندي : نص على nindex.php?page=showalam&ids=18العباس. وقالت الشيعة والرافضة : نص على nindex.php?page=showalam&ids=8علي. وهذه دعاوى باطلة. وجسارة على الافتراء. ووقاحة في مكابرة الحس. وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم، أجمعوا على اختيار أبي بكر، وعلى تنفيذ عهده إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، وعلى تنفيذ عهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالشورى. ولم يخالف في شيء من هذا أحد. ولم يدع علي، ولا nindex.php?page=showalam&ids=18العباس، ولا أبو بكر: وصيته في وقت من الأوقات. وقد اتفق nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس على جميع هذا، من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت. فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية، فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ، واستمرارها عليه. وكيف يحل لأحد من أهل القبلة: أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل، في كل هذه الأحوال؟ ولو كان شيء، لنقل. فإنه من الأمور المهمة. انتهى كلام النووي . قال في وبل الغمام: مسألة الإمامة هذه، قد تفرقت فيها المذاهب، وتشعبت فيها الأقوال، وصارت من أعظم مسائل الخلاف;
فهذا يقول: الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فلان" بالنص.
[ ص: 255 ] وهذا يقول: "فلان" بالإجماع.
وهذا بكذا. وهذا بكذا. ويرتبون على ذلك التكفير والتفسيق، والتبديع والتشنيع. وتنشأ عن ذلك العداوات الموجبة لسفك الدماء، وهتك الحرم، والتفرق في الدين. كما تجد ذلك في كتب التواريخ، فإنها مشحونة بذكر الفتن الواقعة بين الشيعة والسنية، في كثير من أقطار الأرض، حتى صارت كل فرقة تنطوي من العداوة للأخرى على أكثر مما تنطوي عليه من ذلك: ليهودي أو نصراني. وأنت إذا حققت النظر، وأمعنت الفكر، ولم تقلد غيرك: وصفيت نفسك عن أدران العصبية الربية: علمت أن هذه المسألة، ليست بحقيقة ببعض البعض من ذلك. فإن كل واحد من أولئك الخلفاء الراشدين، قد بذل وسعه في صلاح المسلمين، ولم يأل جهدا في نصحهم، والقيام بواجب حقهم. وإذا وقع منه ما هو في صورة الخطأ، فحق محله الشريف: أن يحمل على أحسن المحامل وأجمل التأويل. فقد تولى الله "عز وجل" تعديل أهل ذلك القرن إجمالا. وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأقل أحوال ذلك: حمل الكل على السلامة. وقد تعبدنا الله بواجبات شرعية; من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، وجهاد، ونحو ذلك. ولم يوجب علينا: أن نعرف أن فلانا، هو الخليفة في وقت كذا: أو أن فلانا ليس هو خليفة في وقت كذا. فهذا أمر قد جف منه القلم، وقضى الله بين عباده ما قضاه. ولهم الجميع: موقف بين [ ص: 256 ] يديه، يتبين فيه المحق من المبطل، والمصيب من المخطئ. فما لنا والاشتغال بقوم قد تصرموا منذ أزمان طويلة؟ وليس لنا من إحسان محسنهم، ولا علينا من إساءة مسيئهم: نقير ولا قطمير. فهل يفعل العاقل بنفسه، كفعل من تحامق من هؤلاء الذين فرطوا، أو من أولئك الذين أفرطوا؟ فليحذر الحريص على دينه: أن يقع في هذه الهوة، التي قد هلك فيها من الناس من لا يأتي عليه الحصر من أهل كل قرن. ومن زعم أنه يجب على عبد من عباد الله: أن يعرف إمامة إمام، لم يدرك عصره: لم يقبل منه ذلك إلا ببرهان شرعي. لأن واجبات هذه الشريعة، لا تثبت بمجرد الدعوى العاطلة، التي لا يعجز عنها أحد. ولو كان هذا صحيحا، لكان وجوب معرفة نبوة الأنبياء "من أبينا آدم عليه السلام، إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم": أوجب من ذلك وأهم وأقدم. والله أعلم. هذا آخر كلام "وبل الغمام". وبالله التوفيق.