والخمر ما خامر العقل. وثلاثة أشياء وددت، أيها الناس! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا].
(الشرح)
( عن ابن عمر) رضي الله عنهما ؛ ( قال : خطب عمر) رضي الله عنه ( على منبر رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أما بعد ! ألا ، وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل) .
[ ص: 478 ] ( وهي من خمسة أشياء) . يعني : أن المراد بالخمر في هذه الآية : ليس خاصا بالمتخذ من العنب ، بل يتناول المتخذ من غيرها ؛ ( من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والعسل) . وفي رواية أخرى : "من العنب " موضع : " الزبيب".
nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، بسند صحيح : " قال : الخمر من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والذرة " .
( والخمر : ما خامر العقل) . أي : غطاه ، أو خالطه ، فلم يتركه على حاله . وهو مجاز . " والعقل " : هو آلة التمييز . فلذلك حرم ما غطاه ، أو غيره . لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من عباده ، ليقوموا بحقوقه . قال الكرماني : هذا تعريف بحسب اللغة . وأما بحسب العرف : فهو ما يخامر العقل ، من عصير العنب خاصة . قال الحافظ : وفيه نظر . لأن nindex.php?page=showalam&ids=2 "عمر " ليس في مقام تعريف اللغة، بل هو في مقام تعريف [ ص: 479 ] الحكم الشرعي . فكأنه قال : الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع : هو ما خامر العقل . على أن عند أهل اللغة اختلافا في ذلك . ولو سلم : أن الخمر في اللغة يختص بالمتخذ من العنب ، فالاعتبار بالحقيقة الشرعية . وقد تواترت الأحاديث على أن المسكر ، من المتخذ من غير العنب : يسمى خمرا . والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية . وتقدم حديث " nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة" ، مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=660679الخمر من هاتين الشجرتين . إلخ " . وتقدم : أنه ليس المراد الحصر في الأمرين المذكورين . قال nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : الخمر عند بعض الناس : اسم لكل مسكر . وعند بعضهم : للمتخذ من العنب خاصة . أو منه ومن التمر . أو لغير المطبوخ . ورجح أنه لكل شيء ستر العقل . وكذا قال غير واحد من أهل اللغة . منهم : الدينوري ، والجوهري .
وذهب صاحب الهداية من الحنفية : إلى تخصيص اسم "الخمر ": بما اعتصر من ماء العنب ، إذا اشتد . واستدل لذلك بأدلة ، أجاب عنها الحافظ في الفتح ، والشوكاني في النيل .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : الأحاديث الواردة في هذا الباب ، تبطل مذهب الكوفيين . قال : وهو قول مخالف للغة العرب ، والسنة الصحيحة ، وللصحابة . لأنهم لما نزل تحريم الخمر ؛ فهموا من الأمر [ ص: 480 ] باجتناب الخمر : تحريم كل مسكر . ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ، وبين ما يتخذ من غيره . بل سووا بينهما . وحرموا كل نوع منهما . ولم يتوقفوا ، ولم يستفصلوا ، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك . بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب . وهم أهل اللسان ، وبلغتهم نزل القرآن . فلو كان عندهم فيه تردد : لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ، ويستفصلوا ، ويتحققوا التحريم . لما كان قد تقرر عندهم النهي عن إضاعة المال . فلما لم يفعلوا ذلك ، بل بادروا إلى إتلاف الجميع : علمنا أنهم فهموا التحريم . ثم انضاف إلى ذلك : خطبة nindex.php?page=showalam&ids=2 "عمر" بما يوافق ذلك . ولم ينكر عليه أحد من الصحابة . وقد ذهب إلى التعميم : nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، وسعد ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وأبو موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وإسحاق . وعامة أهل الحديث . انتهى .
والكلام في ذلك ، يطول جدا . فإن شئت أن تقف على ما لها وما عليها : فراجع النيل ، والفتح ، وغيرهما .
( وثلاثة أشياء ، وددت ، أيها الناس ! أن رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم كان عهد إلينا فيها : الجد، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا) . وفي لفظ : " عهد إلينا فيهن عهدا ، أنتهي إليه " . إلخ .