( عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر) رضي الله عنه ؛ ( قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، وأمر علينا أبا عبيدة) . فيه : أن الجيوش ، لا بد لها من أمير يضبطها ، وينقادون لأمره ونهيه . وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم ، أو من أفضلهم . قالوا : ويستحب للرفقة من الناس ؛ وإن قلوا : أن يؤمروا بعضهم عليهم ، وينقادوا له .
(نتلقى عيرا لقريش) . " العير " : هي الإبل ، التي تحمل الطعام وغيره .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : الجمع بين هذه الروايات : أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم : زودهم المزود ، زائدا على ما كان معهم من الزاد من أموالهم وغيرها ، مما واساهم به الصحابة . ولهذا قال : ونحن نحمل أزوادنا . قال : ويحتمل أنه لم يكن في زادهم تمر ؛ غير هذا الجراب . وكان معهم غيره من الزاد . وأما إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة تمرة ؛ فإنما كان في الحال الثاني ، بعد أن فني زادهم ، وطال لبثهم . كما فسره في الرواية الأخيرة . فالرواية الأولى ، معناها : الإخبار عن آخر الأمر لا عن أوله . والظاهر : أن قوله : "تمرة تمرة " ؛ إنما كان بعد أن قسم عليهم " قبضة قبضة " . فلما قل تمرهم : قسمه عليهم " تمرة تمرة " ، ثم فرغ وفقدوا [ ص: 621 ] التمرة ، ووجدوا ألما لفقدها ، وأكلوا الخبط ، إلى أن فتح الله عليهم بالعنبر . والله أعلم .
( قال : فقلت : كيف كنتم تصنعون بها ؟ قال : نمصها كما يمص الصبي) . نمصها بفتح الميم وضمها . والفتح أفصح وأشهر . وفي هذا ؛ بيان ما كان الصحابة رضي الله عنهم عليه من الزهد في الدنيا ، والتقلل منها ، والصبر على الجوع وخشونة العيش ، وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال .
(ثم نشرب عليها من الماء ؛ فتكفينا يومنا إلى الليل . وكنا نضرب بعصينا الخبط ، ثم نبله بالماء فنأكله) .
" الخبط " بالتحريك : هو ما يسقط من الورق ، عند خبط الشجر .
( قال : وانطلقنا على ساحل البحر ، فرفع لنا على ساحل البحر : كهيئة الكثيب الضخم) . هو بالثاء المثلثة . وهو الرمل المستطيل المحدودب .
( فأتيناه ، فإذا هي دابة تدعى العنبر . قال : قال أبو عبيدة : ميتة . ثم قال : لا ، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، وفي سبيل الله . وقد اضطررتم فكلوا) .
[ ص: 622 ] معناه : أن nindex.php?page=showalam&ids=5 "أبا عبيدة " قال أولا باجتهاد : إن هذا ميتة . والميتة حرام ، فلا يحل لهم أكلها . ثم تغير اجتهاده ، فقال : بل هو حلال لكم ، وإن كان ميتة ؛ لأنكم في سبيل الله ، وقد اضطررتم . وقد أباح الله الميتة لمن كان مضطرا غير باغ ولا عاد ، فكلوا . فأكلوا منه . وفيه : جواز الاجتهاد في الأحكام ؛ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما يجوز بعده .
قال النووي : طريق الجمع بين الروايات : أن من روى شهرا هو الأصل . ومعه زيادة علم . ومن روى دونه : لم ينف الزيادة . ولو نفاها ؛ قدم المثبت .
والمشهور الصحيح عند الأصوليين : أن مفهوم العدد لا حكم له .
[ ص: 623 ] فلا يلزم منه نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة . كيف وقد عارضه ؟ فوجب قبول الزيادة . وجمع عياض بينهما : بأن من قال : "نصف شهر " : أراد أكلوا منه تلك المدة طريا . ومن قال : " شهرا " : أراد أنهم قددوه ، فأكلوا منه بقية الشهر قديدا . والله أعلم .
( قال : ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال : الدهن . ونقتطع منه الفدر كالثور ، أو كقدر الثور) .
" الوقب " بفتح الواو وإسكان القاف ، وبالموحدة : وهو داخل عينه ونقرتها .
" والقلال" ، بكسر القاف : جمع "قلة " بضمها . وهي "الجرة الكبيرة " التي يقلها الرجل بين يديه . أي : يحملها .
" والفدر" بكسر الفاء ، وفتح الدال : هي "القطع " .
وروينا قوله : " كقدر الثور " بوجهين مشهورين ؛
أحدهما : بقاف مفتوحة ثم دال ساكنة . أي : مثل الثور .
والثاني : "كفدر " بفاء مكسورة ، ثم دال مفتوحة : جمع " فدرة " .
قال النووي : والأول أصح . وادعى nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض أنه تصحيف ، وأن الثاني هو الصواب . وليس كما قال .
[ ص: 624 ] ( فلقد أخذ منا أبو عبيدة : ثلاثة عشر رجلا ، فأقعدهم في وقب عينه . وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا) . "رحل " بفتح الحاء . أي : جعل عليه رحلا ( فمر من تحتها . وتزودنا من لحمه وشائق) . بالشين والقاف . قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : هو اللحم يؤخذ فيغلى إغلاء ، ولا ينضج. ويحمل في الأسفار . يقال : " وشقت اللحم فاتشق " . والوشيقة : الواحدة منه . والجمع : وشائق ووشيق .
وقيل : " الوشيقة " : القديد .
( فلما قدمنا المدينة ، أتينا رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم . فذكرنا ذلك له . فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم . فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟) قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم منه ، فأكله) . أراد به : المبالغة في تطييب نفوسهم في حله ، وأنه لا شك في إباحته ، وأنه يرتضيه لنفسه . أو أنه قصد التبرك به ؛ لكونه "طعمة " من الله تعالى ، خارقة للعادة ، أكرمهم الله بها .
وفي هذا : دليل على أنه لا بأس بسؤال الإنسان ، من مال صاحبه ومتاعه ؛ إدلالا عليه . وليس هو من السؤال المنهي عنه . إنما ذاك في حق الأجانب للتمول ونحوه . وأما هذا ، فللمؤانسة والملاطفة والإدلال .
[ ص: 625 ] قال: وفي الحديث : أنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات ، التي يشك فيها المستفتي ؛ إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي ، وكان فيه طمأنينة للمستفتي .
قالت الشافعية : يحرم الضفدع ، للحديث في النهي عن قتلها . قالوا : وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه ؛ أصحها : يحل جميعه . لهذا الحديث .
وممن قال بإباحة جميع حيوانات البحر ؛ إلا الضفدع : nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . وأباح nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : الضفدع ، والجميع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يحل غير السمك .
وأما " السمك الطافي "، وهو الذي يموت في البحر بلا سبب . فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إباحته . وبه قال جماهير العلماء من الصحابة ، فمن بعدهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : لا يحل .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=846249 "وما مات فيه فطفا ؛ فلا تأكلوه" : فضعيف باتفاق أئمة الحديث . قال النووي : لا يجوز الاحتجاج به ؛ لو لم يعارضه شيء . كيف وهو معارض بما ذكرنا ؟ وقد أوضحت ضعف رجاله في "شرح المهذب " ، في " باب الأطعمة " . فإن قيل : لا حجة في حديث " العنبر " ؛ لأنهم كانوا مضطرين . قلنا : الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه في المدينة ؛ من غير ضرورة.
قال في النيل : قوله : " فأكله " . بهذا تتم الدلالة . وإلا فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة ؛ قد يقال : إنه للاضطرار . ولا سيما وقد قال أبو عبيدة : " وقد اضطررتم فكلوا " . قال الحافظ : والقياس يقتضي حله . لأنه لو مات في البر لأكل بغير تذكية . ولو نضب عنه [ ص: 627 ] فمات ؛ لأكل . فكذلك إذا مات وهو في البحر . قال : ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه . وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر : كالآدمي ، والكلب ، والخنزير ؛ فعند الحنفية : أنه يحرم . والأصح عن الشافعية : أنه يحل مطلقا . وهو قول المالكية ؛ إلا الخنزير في رواية .
قال في النيل : ومن المستثنى : التمساح ، والقرش ، والثعبان ، والعقرب ، والسرطان ، والسلحفاة ؛ للاستخباث والضرر اللاحق من السم .