(عن nindex.php?page=showalam&ids=397أبي واقد الليثي) رضي الله عنه؛ (أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل نفر ثلاثة. فأقبل اثنان إلى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة، فجلس فيها) .
"الفرجة" بضم الفاء وفتحها، لغتان. وهي: الخلل بين الشيئين. ويقال لها أيضا: "فرج". ومنه قوله تعالى: وما لها من فروج . جمع "فرج".
وأما "الفرجة" بمعنى الراحة من الغم؛ فذكر الأزهري فيها: فتح الفاء، وضمها، وكسرها. وقد فرج له في الحلقة والصف، ونحوهما، بتخفيف الراء: يفرج بضمها.
وأما "الحلقة": فبإسكان اللام، على المشهور. وحكى [ ص: 229 ] الجوهري: فتحها. وهي لغة رديئة.
(وأما الآخر: فجلس خلفهم. وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وآله (وسلم؛ قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم: فأوى إلى الله، فآواه الله) . لفظة "أوى" بالقصر. "وآواه" بالمد. هكذا الرواية. وهذه هي اللغة الفصيحة. وبها جاء القرآن: أنه إذا كان لازما، كان مقصورا. وإن كان متعديا، كان ممدودا. قال تعالى: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة . وقال: إذ أوى الفتية إلى الكهف . وقال في المتعدي: وآويناهما إلى ربوة . وقال: ألم يجدك يتيما فآوى .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وحكى بعض أهل اللغة فيهما جميعا: لغتين؛ القصر، والمد. فيقال: أويت إلى الرجل، بالقصر والمد. وآويته: بالمد، والقصر. والمشهور: الفرق. كما سبق.
ومعنى الحديث: لجأ إلى الله. قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وعندي أن معناه: دخل مجلس ذكر الله تعالى. أو دخل مجلس رسول الله، صلى الله [ ص: 230 ] عليه وآله وسلم، ومجمع أوليائه، وانضم إليه. ومعنى "آواه الله": قبله، وقربه. وقيل: "رحمه". أو آواه إلى جنته، أي: كتبها له.
(وأما الآخر فاستحيا؛ فاستحيا الله منه) . أي: ترك المزاحمة والتخطي: حياء من الله تعالى، ومن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، والحاضرين. أو استحياء منهم: أن يعرض ذاهبا؛ كما فعل الثالث. فرحمه الله، ولم يعذبه. بل غفر ذنوبه. وقيل: جازاه بالثواب. قالوا: ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة؛ الذي آواه وبسط له اللطف وقربه.
(وأما الآخر) أي الثالث: (فأعرض؛ فأعرض الله عنه) . أي: لم يرحمه. وقيل: سخط عليه. وهذا محمول على أنه: ذهب معرضا، لا لعذر وضرورة.
وفي الحديث: دليل على اللغة الفصيحة الصحيحة؛ أنه يجوز في الجماعة، أن يقال في غير الأخير منهم: "الآخر". فيقال: حضرني ثلاثة. أما أحدهم، فقرشي، وأما الآخر، فأنصاري. وأما الآخر، فتيمي. وقد زعم بعضهم: أنه لا يستعمل "الآخر" إلا في: الآخر خاصة. وهذا الحديث: صريح في الرد عليه.
وفيه: جواز حلق العلم والذكر، في المسجد. واستحباب دخولها، ومجالسة أهلها. وكراهة الانصراف عنها، من غير عذر. واستحباب القرب من كبير الحلقة؛ ليسمع كلامه سماعا بينا. ويتأدب بأدبه. وأن قاصد الحلقة؛ إن رأى فرجة: دخل فيها، وإلا جلس وراءهم.
وفيه: الثناء على من فعل جميلا. فإنه صلى الله عليه وآله وسلم: أثنى على الاثنين في هذا الحديث. وأن الإنسان: إذا فعل قبيحا ومذموما وباح به؛ جاز أن ينسب إليه. والله أعلم.