(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة) رضي الله عنه؛ (قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم!") خطاب معاتبة، لا خطاب مناقشة ومعاقبة: (مرضت فلم تعدني) . قال أهل العلم: إنما أضاف المرض إليه "سبحانه وتعالى"، والمراد "العبد": تشريفا للعبد، وتقريبا له.
(قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين) . حال مقرر للإشكال، الذي تضمنه معنى "كيف". أي: إن العيادة، إنما هي للمريض العاجز. وذلك على المالك الحقيقي: محال. فكيف أعودك؟ وأنت القادر القاهر، القوي المتين. (قال: "أما علمت: أن عبدي فلانا مرض، فلم تعده؟ أما علمت: أنك لو عدته؛ لوجدتني عنده؟") : أي: وجدت ثوابي، وكرامتي.
(يا ابن آدم! استطعمتك، فلم تطعمني. قال: يا رب! كيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين) يعني: الإطعام، إنما يحتاج إليه الضعيف، الذي يتقوت به فيقيم به صلبه، ويصلح به عجزه، وأنت مربي العالمين. (قال: أما علمت: أنه استطعمك عبدي فلان، فلم [ ص: 321 ] تطعمه؟ أما علمت: أنك لو أطعمته؛ لوجدت ذلك عندي؟
يا ابن آدم! استسقيتك، فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه.
(أما إنك لو أسقيته؛ وجدت ذلك عندي) . أي: وجدت ثوابه. قال المناوي في (الشرح الكبير، على الجامع الصغير) : قال (في العيادة) : "لوجدتني عنده". (وفي الإطعام، وكذلك السقي) : "وجدت ذلك عندي": إرشاد إلى أن الزيارة والعيادة، أكثر ثوابا منهما.
وقال السبكي: سر ذلك؛ أن المريض لا يروح لأحد، بل يأتي الناس إليه. فناسب قوله: "لوجدتني عنده". بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس. قال الكلاباذي: جعل الله أوصاف المؤمنين صفته، لأن الوصلة إذا استحكمت، والمودة إذا تأكدت: صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر. وكل ما فعله الحبيب، فهو يسر حبيبه. ألا ترى قيسا المجنون؟ كان إذا أراد أن يسكن ما به، ذكرت له ليلى، فيتجلى ما هو فيه، ويتكلم بأحسن كلام. فيقال [ ص: 322 ] له: أتحب ليلى؟ قال: لا. فيقال: لم؟ فيقول: المحبة ذريعة الوصلة، وقد وقعت الوصلة، فسقطت الذريعة. فأنا ليلى، وليلى أنا. وقال:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته كنت أنا
سئل بعض العارفين؛ عن تنزلات الحق "في إضافة الجوع والظمأ: لنفسه؟": هل الأولى إبقاؤها على ما وردت؟ أو تأويلها كما أولها الحق لعبده، حين قال: "كيف أطعمك إلخ"؟ فقال: الواجب: تأويلها للعوام، لئلا يقعوا في جانب الحق سبحانه وتعالى: بارتكاب محظور، أو انتهاك حرمة.
وأما العارف؛ فعليه الإيمان بها، على حد ما يعلمه الله، لا على حد نسبتها إليه كنسبتها للخلق، لاستحالته. وحقيقته تعالى: مخالفة لسائر الحقائق، فلا تجتمع قط مع خلقه: في جنس، ولا نوع، ولا شخص. ولا تلحقه: صفة تشبيه؛ لأنه لا يكون إلا لمن اجتمع مع خلقه، في حال من الأحوال. ولذا: أبقاها السلف على ظاهرها: لئلا يفوتهم كمال الإيمان به، لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به، لا بما أولوه. فقد لا يكون مرادا للحق. فالأدب: إضافتنا إليه، كل ما [ ص: 323 ] أضافه لنفسه تعالى: وأنشدوا:
إذا نزل الحق من عزه إلى منزل الجوع والمرحمة فخذه على حد ما قاله فإن به تحصل المكرمة ولا تلقينه على جاهل فتحصل في موطن المذممة
انتهى كلام الشيخ عبد الرؤوف المناوي؛ (رحمه الله تعالى) . وما أبلغه، وأحقه بالحق، وألصقه بالصواب! والله أعلم، وإليه المرجع والمآب.