(عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ قال: جاءنا nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله) ، رضي الله عنهما؛ (في أهلنا، ورجل يشتكي: خراجا به -أو جراحا-، فقال: ما تشتكي؟ قال: خراج بي، قد شق علي. فقال: يا غلام! ائتني بحجام. فقال له: ما تصنع بالحجام؟ يا أبا عبد الله! قال: أريد أن أعلق فيه محجما، قال: والله! إن الذباب ليصيبني -أو يصيبني الثوب-: فيؤذيني، ويشق علي. فلما رأى تبرمه من ذلك، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يقول: "إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة [ ص: 355 ] محجم) . يتفرغ بها الدم، الذي هو أعظم الأخلاط عند هيجانه: لتبريد المزاج.
"والمحجم" بكسر الميم، وسكون الحاء، وبفتح الجيم: الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة، عند المص. ويراد به هنا: "الحديدة"، التي يشرط بها موضع الحجامة. يقال: "شرط الحاجم": إذا ضرب موضع الحجامة، لإخراج الدم. وقد يتناول "الفصد". وأيضا؛ الحجامة في البلاد الحارة: أنفع من الفصد. والفصد في البلاد التي ليست بحارة: أنجح من الحجم.
(أو شربة من عسل) . يسهل الأخلاط البلغمية. "والعسل" هو لعاب النحل، أو طل خفي يقع على النهر وغيره، فتلتقطه النحل. وقيل: بخار يصعد فينضج في الجو، فيستحيل ويغلظ في الليل، ويقع عسلا: فتجتنيه النحل، وتتغذى به. فإذا شبعت، جنت منه مرة أخرى، ثم تذهب به إلى بيوتها، وتضعه هناك: لأنها تدخر لنفسها غذاءها، "فهو العسل".
وقيل: إنها تأكل من الأزهار الطيبة، والأوراق العطرة، فيقلب الله [ ص: 356 ] تعالى تلك الأجسام، في داخل أبدانها: عسلا. ثم إنها تقيء ذلك. "فهو العسل". وجمعه: "أعسال، وعسل، وعسول، وعسلان. والعاسل، والعسال: "مشتاره من موضعه". وللعسل أسماء، ذكرها وذكر منافعها: صاحب القاموس، في مؤلف مستقل، في استقصائها: طول، يخرجنا عن الاختصار والمقصود. ولكن أصلحه: الربيعي، ثم الصيفي. وأما الشتائي: فرديء. وما يؤخذ من الجبال والأشجار: أجود مما يؤخذ من الخلايا. وهو بحسب مرعاه.
ومن العجيب: أن النحلة تأكل من جميع الأزهار، ولا يخرج منها: إلا حلوا. مع أن أكثر ما تجتنيه مر. وطبع العسل حار يابس، في الدرجة الثانية، جلاء للأوساخ التي في العروق، والأمعاء، وغيرها. محلل للرطوبات، أكلا وطلاء. نافع للمشايخ، ولأصحاب البلغم، ولمن كان مزاجه باردا رطبا. ويكفيه فضلا، قول الله تعالى: فيه شفاء للناس . أي: من أدواء تعرض لهم. قيل: ولو قال؛ "فيه الشفاء للناس"؛ لكان دواء لكل داء. ولكنه قال: "شفاء". أي: يصلح لكل أحد، من أدواء باردة. فإنه حار، والشيء يداوى بضده.
وبالجملة؛ له خواص كثيرة، اشتمل عليها كتب علم الطب، ليس هذا موضع بسطها.
(أو لذعة بنار) . تستعمل في الخلط الباغي، الذي لا تنحسم مادته: إلا بها.
"واللذعة": بذال معجمة ساكنة، وعين مفتوحة، معناها: "حرق".
قال النووي: هذا من بديع الطب عند أهله؛ لأن الأمراض الامتلائية: دموية، أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغمية؛ (فإن كانت دموية) ؛ فشفاؤها: إخراج الدم. (وإن كانت من الثلاثة الباقية) ؛ فشفاؤها: بالإسهال اللائق لكل خلط منها، فكأنه: نبه صلى الله عليه وآله وسلم؛ بالعسل: على المسهلات. وبالحجامة: على إخراج الدم بها، وبالضد ووضع العلق، وغيرها: مما في معناها. وذكر "لذعة النار"؛ لأنها تستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة، ونحوها. فآخر الطب: الكي.
وفي رواية أخرى: "كية نار"، موضع: "لذعة بالنار". وفي المثل: "آخر الدواء الكي".
[ ص: 358 ] (قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "وما أحب أن أكتوي") : إشارة إلى تأخير العلاج بالكي، حتى يضطر إليه. لما فيه من استعجال الألم الشديد، في دفع ألم: قد يكون أضعف من ألم الكي. وفي حديث آخر، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس؛ عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: nindex.php?page=hadith&LINKID=847689 "وأنهى أمتي عن الكي". قال nindex.php?page=showalam&ids=12485ابن أبي جمرة: علم من مجموع كلامه، "صلى الله عليه وآله وسلم"، في الكي: أن فيه نفعا، ومضرة. فلما نهى عنه؛ علم: أن جانب المضرة فيه أغلب. قال: وقريب منه: إخبار الله تعالى، أن في الخمر منافع، ثم حرمها؛ لأن المضار التي فيها: أعظم من المنافع. قال القسطلاني: هو مثل ترك أكله الضب؛ مع تقريره أكله على مائدته، واعتذاره: بأنه يعافه. (قال فجاء بحجام فشرطه، فذهب عنه: ما يجد) .
وقد رد النووي على المعترضين على هذا الطب، (الذي وردت به الأحاديث؛ في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره) : ردا مشبعا، لا نطول الكلام بذكره. لأن المؤمن يكفيه: قول النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، والإيمان به. ومن لا يؤمن: لا يكفيه كتاب، ولا فصل خطاب.