(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله، صلى الله عليه وآله (وسلم; قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي; كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه. فجعل الناس يطوفون به)، أي: بالبيت (ويعجبون له)، أي: لأجله (ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة!). أي: لو وضعت هذه اللبنة; لكان بناء البيت كاملا.
"واللبنة": بفتح اللام، وكسر الباء. ويجوز: إسكان الباء، مع فتح اللام وكسرها، كما في نظائرها. والله أعلم. وهي قطعة طين تعجن، وتيبس، ويبنى بها من غير إحراق.
(قال: فأنا اللبنة. وأنا خاتم النبيين). وهذا الحديث، له ألفاظ وطرق.
قال في الكواكب: قيل: المشبه به واحد. والمشبه جماعة. فكيف يصح التشبيه؟
وجوابه: أنه جعل الأنبياء كلهم كواحد، فيما قصد في التشبيه. وهو أن المقصود من بعثتهم: ما تم إلا باعتبار الكل. فكذلك البيت، لا يتم إلا بجميع اللبنات. أو أن التشبيه، ليس من باب تشبيه المفرد [ ص: 502 ] بالمفرد; بل هو تشبيه تمثيل - فيؤخذ وصف: من جميع أحوال المشبه، ويشبه بمثله: من أحوال المشبه به. فيقال: شبه الأنبياء، وما بعثوا به من الهدى والعلم، وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق: بقصر أسس قواعده، ورفع بنيانه. وبقي منه موضع لبنة. فنبينا، صلى الله عليه وآله وسلم: بعث لتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللبنة: التي بها إصلاح ما بقي من الدار. انتهى.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي: قد أكثر المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم -اقتداء بالقرآن-: من ضرب الأمثال، زيادة في الكشف. فإنه أوقع في القلب، وأقمع للخصم الألد; لأنه يريك المتخيل محققا، والمعقول محسوسا. ولشأنه العجيب في إبرازه الحقائق المستورة، ووضع الستور عن وجه الخفيات: كثر في القرآن.
والمثل في الأصل بمعنى: "النظير" ثم نقل في العرف: إلى [ ص: 503 ] القول السائر، الممثل مضربه بمورده. ولم يسيروه، ولم يجعلوه مثلا; إلا إذا خص بنوع من الغرابة؛ ولهذا لم يغيروه عما ورد، ثم استعير للصفة، والقصة العجيبة الشأن، وفيها غرابة. انتهى.
قلت: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: ولكن رسول الله وخاتم النبيين أي: آخرهم الذي ختمهم، أو ختموا به، على قراءة عاصم بالفتح.
وقيل: من لا نبي بعده; يكون أشفق على أمته، وأهدى لهم؛ إذ هو كالوالد لولد، ليس له غيره. ولا يقدح فيه نزول عيسى -عليه السلام- بعده; لأنه إذا نزل يكون على دينه. مع أن المراد: أنه آخر من نبئ. والله أعلم.