(عن أبي حميد) رضي الله عنه؛ (قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، غزوة تبوك. فأتينا وادي القرى: على حديقة لامرأة، فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "اخرصوها"). بضم الراء وكسرها. والضم أشهر. أي: احزروا: كم يجيء من ثمرها؟
(فخرصناها. وخرصها رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: عشرة أوسق. وقال: "أحصيها، حتى نرجع إليك، إن شاء الله") تعالى: (فانطلقنا، حتى قدمنا تبوك. فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "ستهب عليكم الليلة: ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم. فمن كان له بعير، فليشد عقاله". فهبت ريح شديدة. فقام رجل، فحملته الريح، حتى ألقته بجبلي طي).
وإنما أمر بشد عقل الجمال؛ لئلا ينفلت منها شيء، فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه، فيلحقه ضرر الريح. وجبلا طي مشهوران. يقال لأحدهما: "أجأ" بفتح الهمزة والجيم، وبالهمز. والآخر: "سلمى" بفتح السين. "وطيئ" بتشديد الياء بعدها همزة، على وزن: "سيد". وهو أبو قبيلة من اليمن. وهو طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير. قال صاحب التحرير: وطي: يهمز، ولا يهمز. لغتان.
(فجاء رسول ابن العلماء)، بفتح العين وإسكان اللام، وبالمد، (صاحب أيلة: إلى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بكتاب. وأهدى له: بغلة بيضاء).
فيه: قبول هدية الكافر. وقد سبق ما يعارضه في الظاهر، والجمع بينهما: في الكتاب.
قال النووي: وهذه البغلة، هي: "دلدل". بغلة رسول الله،
[ ص: 25 ] صلى الله عليه وآله وسلم، المعروفة. لكن ظاهر لفظه هنا: أنه أهداها للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ في غزوة تبوك. وقد كانت غزوة تبوك: سنة تسع من الهجرة. وقد كانت هذه البغلة، عند رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؛ قبل ذلك. وحضر عليها: غزاة "حنين"؛ كما هو مشهور، في الأحاديث الصحيحة. وكانت "حنين" عقب فتح مكة، سنة ثمان. قال عياض: ولم يرو أنه كان للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم: بغلة غيرها. قال: فيحمل قوله على أنه "أهداها له قبل ذلك". وقد عطف الإهداء على المجيء: بالواو. وهي لا تقتضي الترتيب. والله أعلم.
(فكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. وأهدى له بردا. ثم أقبلنا، ثم قدمنا وادي القرى. فسأل رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: المرأة عن حديقتها، "كم بلغ ثمرها؟" فقالت: عشرة أوسق. فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "إني مسرع. فمن شاء منكم؛ فليسرع معي. ومن شاء؛ فليمكث". فخرجنا، حتى أشرفنا على المدينة. فقال: "هذه طابة. وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه". ثم قال: "إن خير دور الأنصار: دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة"). قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: المراد: أهل الدور. أو المراد: القبائل.
[ ص: 26 ] وإنما فضل بني النجار؛ لسبقهم في الإسلام، وآثارهم الجميلة في الدين.
وفي بعض النسخ: "بني عبد الحارث". وكذا نقله القاضي. قال: وهو خطأ من الرواة. وصوابه: "بني الحارث" بحذف: "عبد".
("وفي كل دور الأنصار خير". فلحقنا سعد بن عبادة. فقال أبو أسيد: ألم تر أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: خير دور الأنصار، فجعلنا آخرا؟ فأدرك سعد رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقال: يا رسول الله! خيرت دور الأنصار، فجعلتنا آخرا. فقال: "أوليس بحسبكم: أن تكونوا من الخيار؟").