عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: (كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم: معنا أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر في نفر.
يقال «قعدنا حوله» ، وحوليه، وحواليه، بفتح الحاء واللام في جميعها. ولا يقال «بكسر اللام» ، و «معنا» بفتح العين، ويجوز «تسكينها» في لغة.
[ ص: 99 ] قال صاحب «المحكم» : «مع» اسم معناه: «الصحبة» ، وكذلك بإسكان العين. غير أن المحركة تكون: «اسما وحرفا» ، والساكنة لا تكون، إلا حرفا.
وذكر «أبي بكر وعمر» هنا من فصيح الكلام وحسن الإخبار، فإنهم إذا أرادوا الإخبار عن جماعة، فاستكثروا أن يذكروا جميعهم بأسمائهم، ذكروا أشرافهم أو بعض أشرافهم، ثم قالوا: «وغيرهم» .
(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا ) ، وقال بعده. كنت بين أظهرنا. هكذا هو في الموضعين « أظهرنا » ، ووقع في بعض الأصول «ظهرينا» وكلاهما صحيح؛ يقال «بين أظهركم، وظهريكم، وظهرانيكم» بفتح النون. أي: بينكم.
(فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا ) . أي: يصاب بمكروه من عدو، إما بأسر، وإما بغيره، «وفزعنا فقمنا ، فكنت أول من فزع» .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: «الفزع» يكون بمعنى «الروع» ، ومعنى «الهيوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى «الإغاثة» ، فتصح هذه المعاني الثلاثة. أي: ذعرنا، «لاحتباس النبي صلى الله عليه وسلم عنا» ألا تراه كيف قال: «وخشينا أن يقتطع دوننا» ؟ ويدل على الوجهين الآخرين قوله (فكنت أول من فزع ) ، (فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار ) . أي: «بستانا» وسمي بذلك لأنه «حائط» لا سقف له (فدرت [ ص: 100 ] به هل أجد له بابا؟ فلم أجد، فإذا «الربيع ) بفتح الراء على لفظ «الربيع» الفصل المعروف «يدخل في جوف حائط من بئر خارجة» -والربيع- الجدول بفتح الجيم. وهو النهر الصغير. وجمع الربيع «أربعاء» كنبي وأنبياء، «والبئر» مؤنثة. وهي مشتقة من «بارت» . أي: حفرت، وقرئ بالتنوين فيها. وفي «خارجة» على أنها صفة لبئر. وهو المشهور الظاهر.
(فاحتفزت» كما يحتفز الثعلب. روي هذا «بالزاي وبالراء» ، والأول هو الصواب ومعناه: تضاممت ليسعني المدخل. وأنكر صاحب «التحرير» الزاي، واختار الراء.
قال النووي: ليس اختياره بمختار انتهى. لأن رواية الزاي أقرب من حيث المعنى. ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب. والله أعلم.
(فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: nindex.php?page=showalam&ids=3«أبو هريرة» ؟ معناه: أنت nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة؟ فقلت: نعم! يا رسول الله! قال: ما شأنك» ؟ قلت: كنت بين أظهرنا فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع فأتيت هذا «الحائط» فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: «يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة» وأعطاني نعليه. «قال» اذهب بنعلي هاتين . أعاد لفظة «قال» لطول الكلام، وحصول الفصل، بقوله: «يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة» وأعطاني نعليه. وهذا حسن، وجاء أيضا في كلام الله سبحانه وتعالى: [ ص: 101 ] ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي: قوله: «فلما جاءهم» تكرير للأول لطول الكلام قال: ومثله قوله:
أعاد «أنكم» لطول الكلام. وإنما أعطي «النعلين» لتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم، يعرفون بها أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر كون مثل هذا يفيد تأكيدا، وإن كان خبره مقبولا من غير هذا، والله أعلم.
(فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد -أن لا إله إلا الله- مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ) ، أي: أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة، وإلا فأبو هريرة لا يعلم استيقان قلوبهم.
فكان أول من لقيت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال: ما هاتان النعلان يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة؟ فقلت: هاتين نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 102 ] بعثني بهما ) هكذا في جميع الأصول بنصب «هاتين» ورفع «نعلا» وهو صحيح. ومعناه: فقلت. تعني هاتين؟ هما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصب «هاتين» بإضمار «تعني» وحذف «هما» للعلم به.
وفي أكثر الأصول «بها» مكان «بهما» ، وهو صحيح. ويكون الضمير عائدا إلى «العلامة» فإن النعلين كانتا علامة..
(من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة فضرب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بيده بين ثديي ) تثنية «ثدي» بفتح الثاء مذكر. وقد يؤنث في لغة قليلة، واختلفوا في اختصاصه «بالمرأة» ، فمنهم من قال: يكون للرجل والمرأة، ومنهم من قال هو للمرأة خاصة؛ فيكون إطلاقه في الرجل مجازا، واستعارة، وقد كثر إطلاقه في الأحاديث للرجل.
(فخررت لاستي ) هو اسم من أسماء «الدبر» والمستحب في مثل هذا الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال المجاز، والألفاظ التي تحصل الغرض، ولا يكون في صورتها ما يستحى من التصريح بحقيقة لفظه. وبهذا الأدب جاء القرآن العزيز والسنن «كالرفث» ، و «الإفضاء» ، و «المس» ، و «الغائط» ، و «المحيض» .
وقد يستعملون صريح الاسم لمصلحة راجحة، وهي إزالة اللبس، أو الاشتراك، أو نفي المجاز، أو نحو ذلك، كقوله تعالى: الزانية والزاني .
واستعمال nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هنا لفظ «الاست» من هذا القبيل والله أعلم.
(فقال: ارجع يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة؛ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . ولم يقصد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالدفع له سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه. وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وغيره من أهل العلم: ليس فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ومراجعته النبي صلى الله عليه وسلم اعتراضا عليه وردا لأمره، إذ ليس فيما بعث به nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة غير تطييب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجل هذه البشرى.
فلما عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم صوبه فيه والله تعالى أعلم.
«وفي هذا الحديث» أن الإمام والكبير مطلقا إذا رأى شيئا، ورأى بعض أتباعه خلافه، أنه ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه، فإن ظهر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع إليه، وإلا بين للتابع جواب الشبهة التي عرضت له والله أعلم.
(فأجهشت بكاء، وركبني عمر) رضي الله عنه (فإذا هو على أثري) . وفي كتاب القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض «جهشت» بحذف الألف. وهما صحيحان.
«والجهش والجهوش والإجهاش» هو: أن يفزع الإنسان إلى غيره، وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء، ولما يبك بعد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: هو الفزع والاستغاثة. وقال أبو زيد: جهشت بالبكاء [ ص: 104 ] والحزن والشوق، والله أعلم. «والبكاء، والبكا» مد وقصر: لغتان، وفرق بينهما ابن القيم. ومعنى «ركبني» : تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
«وفي أثري» لغتان فصيحتان مشهورتان بكسر الهمزة وإسكان الثاء وبفتحهما. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة» ؟ فقلت: لقيت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي قال: ارجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر! ما حملك على ما فعلت» ؟ قال يا رسول الله! بأبي أنت وأمي. معناه: أنت مفدى أو أفديك بأبي وأمي «أبعثت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة بنعليك- من لقي - يشهد أن لا إله إلا الله. مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» . قال: فلا تفعل بأبي أنت وأمي، فإني أخشي أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فخلهم» . هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة، تقدم في أثناء الكلام جمل. وفيه جلوس العالم لأصحابه ولغيرهم من المستفتين وغيرهم، يعلمهم ويفيدهم ويفتيهم.
[ ص: 105 ] «وفيه» جواز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضي ذلك المودة بينهما أو غير ذلك، فإن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة دخل «الحائط، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. ولم ينقل أنه أنكر عليه. وهذا غير مختص بدخول الأرض بل يجوز له الانتفاع بأدواته، وأكل طعامه، والحمل من طعامه إلى بيته، وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه.
هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء، وصرح به الشافعية. قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: وأجمعوا على أنه لا يتجاوز الطعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما.
وفي ثبوت الإجماع في حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر. ولعل هذا يكون في الدراهم الكثيرة التي يشك أو قد يشك في رضاه بها؛ فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به. ثم دليل الجواز في الباب الكتاب والسنة وفعل السلف، وقول أعيان الأمة؛ فالكتاب قوله تعالى:
«وفيه» جواز قول الرجل للآخر. (بأبي أنت وأمي !) . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وقد كرهه بعض السلف، وقال لا يفدى مسلم. والأحاديث الصحيحة تدل على جوازه سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا، حيا كان أو ميتا.