(عن nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما؛ أن رجلا من الأنصار، خاصم nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير، عند رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: في شراج الحرة، التي يسقون بها النخل).
"الشراج": بكسر الشين المعجمة، وبالجيم. هي "مسايل الماء". واحدها: "شرجة. "والحرة": هي الأرض الملسة، فيها حجارة سود.
فقال الأنصاري: سرح الماء. أي: أرسله يمر. (فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير: "اسق، يا nindex.php?page=showalam&ids=15زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري؛ فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟) بفتح الهمزة. أي: فعلت هذا، لكونه ابن عمتك). (فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه) وآله (وسلم). أي: تغير من الغضب، لانتهاك حرمات النبوة، وقبح كلام هذا الإنسان.
(ثم قال: "يا nindex.php?page=showalam&ids=15زبير! اسق، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر): بفتح الجيم، وكسرها. وبالدال. وهو "الجدار". وجمع الجدار: "جدر". ككتاب وكتب. وجمع "الجدر": جدور [ ص: 150 ] فلس وفلوس.
ومعنى: "يرجع": يصير إليه. والمراد "بالجدر": أصل الحائط. وقيل: أصول الشجر. قال النووي: والصحيح الأول. وقدره العلماء: أن يرتفع الماء في الأرض كلها، حتى يبتل كعب رجل الإنسان. فلصاحب الأرض الأولى، التي تلي الماء: أن يحبس الماء في الأرض إلى هذا الحد، ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه. وكان nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير صاحب الأرض الأولى، فأدل عليه رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. وقال: "اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك". أي: اسق شيئا يسير دون قدر حقك، ثم أرسله إلى جارك: إدلالا على الزبير، ولعلمه بأنه يرضى بذلك، ويؤثر الإحسان إلى جاره. فلما قال الجار ما قال؛ أمره أن يأخذ جميع حقه.
قال العلماء: ولو صدر مثل هذا الكلام، الذي تكلم به الأنصاري اليوم، من إنسان، (من نسبته، صلى الله عليه وآله وسلم: إلى هوى): كان كفرا، وجرت على قائله أحكام المرتدين، فيجب قتله بشرطه.
قالوا: وإنما تركه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس، ويدفع بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى المنافقين، ومن في قلبه مرض. ويقول: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا". ويقول: "لا يتحدث الناس: أن محمدا يقتل [ ص: 151 ] أصحابه". وقد قال تعالى: ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي؛ أن هذا الرجل، الذي خاصم الزبير: كان منافقا. وقوله في الحديث: إنه أنصاري، لا يخالف هذا؛ لأنه كان من قبيلتهم، لا من الأنصار المسلمين.
وأما قوله في آخر الحديث: (فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فلا وربك لا يؤمنون الآية"): فهكذا قال طائفة في سبب نزولها.
وقيل: نزلت في رجلين، تحاكما إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: فحكم على أحدهما، فقال: ارفعني إلى "عمر بن الخطاب".
وقيل: في يهودي ومنافق، اختصما إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلم يرض المنافق بحكمه، وطلب الحكم عند الكاهن.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: يجوز أنها نزلت في الجميع. والله أعلم. انتهى.
وفي هذا: تعليق الإيمان بتحكيم النبي، صلى الله عليه وآله [ ص: 152 ] وسلم في كل مشاجرة، تقع فيما بينهم، مع عدم وجدان الحرج في النفس: من قضائه، صلى الله عليه وآله وسلم، والتسليم له. وهذا بعمومه: يشمل كل مسألة من مسائل الدين: أصلية كانت، أو فرعية. وأكد هذا بالقسم. فدلت الآية على وجوب ذلك.
ومفهوم الآية، بل منطوقها: إبطال التقليد، واتباع حكم الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم. وهي حجة على المقلدين، الذين لا يحكمون رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: في مشاجرتهم في المذاهب، ولا يسلمون قضاءه عند الخصام فيما بينهم. بل لو جاء إنسان بحديث صحيح صريح، محكم غير منسوخ: في مسألة من مسائل الفروع، يخالف مذهب إمامهم، أو مذهبهم المختار، المحرر في كتب فروعهم وأصولهم: وجدوا منه في أنفسهم حرجا، ولم يرضوا به أبدا، بل رموا الجائي به: بكل حجر ومدر. وهذا صنيع كثير منهم، بل الأكثر. ويكفي في جواب هؤلاء: تلاوة هذه الآية الكريمة، التي أولها: فلا وربك لا يؤمنون .
وفي هذا الحديث: دليل على أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: معصوم في غضبه. والحكم في هذه الحالة: مختص [ ص: 153 ] به، ويجب نفاذه. ولا يجوز لغيره، من ولاة الأمور: القضاء في حال الغضب. وقد ورد النهي عنه صريحا في أحاديث أخر، في محلها.