(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة) رضي الله عنه؛ (أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم) عليه السلام، (إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى. ولكن ليطمئن قلبي").
[ ص: 183 ] قال النووي في الجزء الأول، في (باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة): اختلف العلماء في معناه، على أقوال كثيرة، أحسنها، وأصحها: ما قاله الإمام "أبو إبراهيم المزني" صاحب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وجماعات من العلماء: معناه: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم؛ فإن الشك في إحياء الموتى، لو كان متطرقا إلى الأنبياء: لكنت أنا أحق به من إبراهيم. وقد علمتم: أني لم أشك أنا، فاعلموا: أن إبراهيم عليه السلام، لم يشك. وإنما خص إبراهيم: لكون الآية، قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة، منها: احتمال الشك. وإنما رجح إبراهيم على نفسه: تواضعا وأدبا. أو قبل أن يعلم: أنه خير ولد آدم. قال صاحب التحرير: قال جماعة من أهل العلم: لما نزل قول الله تعالى: أولم تؤمن ، قالت طائفة: شك إبراهيم، ولم يشك نبينا. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=688823 "نحن أحق بالشك منه". ثم قال: ويقع لي فيه معنيان:
أحدهما: أنه خرج مخرج العادة في الخطاب؛ فإن من أراد المدافعة عن إنسان قال للمتكلم فيه: ما كنت قائلا لفلان، أو فاعلا معه من مكروه فقله لي، وافعله معي. ومقصوده: لا تقل ذلك فيه.
والثاني: أن معناه: أن هذا الذي تظنونه شكا، أنا أولى به، فإنه ليس بشك، وإنما هو طلب لمزيد اليقين.
[ ص: 184 ] وقيل غير هذا من الأقوال، فنقتصر على هذه، لكونها: أصحها وأوضحها. انتهى.
قال الزركشي: قال صاحب "الأمثال السائرة": إن "أفعل" تأتي في اللغة لنفي المعنى عن الشيئين. نحو قوله تعالى: أهم خير أم قوم تبع أي لا خير في الفريقين. ونحو: "الشيطان خير من زيد". أي: لا خير فيهما. وعلى هذا فمعنى قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=653121 "نحن أحق بالشك من إبراهيم": لا شك عندنا جميعا. قال: وهو أحسن ما يتخرج عليه هذا الحديث. انتهى. وكذا نقله في الفتح، لكن عن بعض علماء العربية. قال في "المصابيح": وهذا غير معروف عند المحققين.
وأما سؤال إبراهيم عليه السلام؛ فذكر النووي في سببه أوجها: أظهرها أنه أراد الطمأنينة: بعلم كيفية الإحياء، مشاهدة، بعد العلم بها استدلالا.
فإن علم الاستدلال، قد تتطرق إليه الشكوك في الجملة، بخلاف علم المعاينة، فإنه ضروري. وهذا مذهب الأزهري وغيره. ثم ذكر أقوالا أخر، وقال: ليست بظاهرة.
[ ص: 185 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي: الأكثرون على أنه رأى جيفة بساحل البحر، يتناولها السباع والطير ودواب البحر، فتفكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه، ولم يكن شاكا في إحياء الموتى، ولكن أحب رؤية ذلك. كما أن المؤمنين يحبون أن يروا النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، والجنة، ويحبون رؤية الله تعالى، مع الإيمان بكل ذلك، وزوال الشكوك عنه.
قال أهل العلم: الهمزة في قوله تعالى: "أولم تؤمن؟" همزة إثبات، كقول جرير:
(ألستم خير من ركب المطايا)
.
(ويرحم الله لوطا) اسم أعجمي. وصرف مع العجمة والعلمية: لسكون وسطه.
(لقد كان يأوي إلى ركن شديد). المراد بالركن: هو الله سبحانه وتعالى، فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: "إلى العشيرة". ولعله يريد: لو أراد، لأوى إليها. ولكنه أوى إلى الله، سبحانه وتعالى.
[ ص: 186 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة: ما بعث الله نبيا، إلا في منعة من عشيرته.
قال النووي: والمعنى: أن لوطا لما خاف على أضيافه، ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم، فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال: "لو أن لي بكم قوة"، في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع: لمنعتكم. وقصد لوط: إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما: لفعله. وأنه: بذل وسعه في إكرامهم، والمدافعة عنهم. ولم يكن ذلك إعراضا منه عن الاعتماد على الله، وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف.
ويجوز: أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم.
ويجوز: أن يكون الالتجاء فيما بينه وبين الله، وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر. انتهى.
قلت: الظاهر أن لوطا "عليه السلام)، إنما قال ذلك على عادة البشر عند الشدائد، ولم ينس الالتجاء إلى الله تعالى، ولكن لما كان هذا الخيال البشري دون رتبة النبوة: ترحم عليه نبينا "صلى الله عليه وسلم". وكانت الأنبياء، قد تغلب عليهم الحالة البشرية، في خلال بعض الأحوال. يدل لذلك: القرآن الكريم، في غير موضع في قصصهم؛ [ ص: 187 ] منها: قصة آدم، وقصة نوح، وقصة موسى، وقصة داود، وقصة إبراهيم، وقصة يونس، "عليهم السلام"؛ فقد صدر من هؤلاء الرسل: من الفعل والقول: ما دل على غلبة البشرية عليهم، ومغلوبية صفة الملكية عنهم. والله أعلم. وعلمه أتم وأحكم.
(ولو لبثت في السجن: طول لبث يوسف) بضع سنين: ما بين الثلاث إلى التسع) (لأجبت الداعي) أي: لأسرعت الإجابة، في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة.
قال النووي: هو ثناء على يوسف "عليه السلام"، وبيان لصبره وتأنيه. والمراد بالداعي: رسول الملك الذي أخبر الله تعالى: أنه قال ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن . فلم يخرج مبادرا إلى الراحة، ومفارقة السجن الطويل، بل تثبت وتوقر، وراسل الملك: في كشف أمره، الذي سجن بسببه: [ ص: 188 ] لتظهر براءته عند الملك وغيره، ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه، ولا خجل من يوسف ولا غيره. فبين نبينا "صلى الله عليه وآله وسلم": فضيلة يوسف في هذا، وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره، وحسن نظره. وقال النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" عن نفسه ما قال: تواضعا وإيثارا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف، "عليه السلام". والله أعلم.
وفي "يوسف": ست لغات؛ ضم السين، وكسرها، وفتحها: مع الهمز فيهن، وتركه. انتهى.
قال محيي السنة: وصف "صلى الله عليه وآله وسلم" يوسف بالأناة والصبر. وقال "على سبيل التواضع" ما قال، لا أنه كان في الأمر منه: مبادرة وعجلة، لو كان مكان يوسف. والتواضع لا يصغر كبيرا، ولا يضع رفيعا، ولا يبطل لذي حق حقا، لكنه يوجب لصاحبه: فضلا ويكسبه إجلالا وقدرا. انتهى.
قلت: وفي القلب من هذه التأويلات شيء؛ لأنها تخالف ظاهر الحديث. والله أعلم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بعد هذا الحديث: "وحدثني به - إن شاء الله تعالى -: عبد الله بن محمد بن أسماء". وهذا مما قد ينكره على nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: من لا علم [ ص: 189 ] عنده، ولا خبرة لديه، لكون nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم رحمه الله، قال: - إن شاء الله - فيقول: كيف يحتج بشيء يشك فيه؟ وهذا خيال باطل من قائله، فإن nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما لم يحتج بهذا الإسناد، وإنما ذكره متابعة واستشهادا. وقد تقرر: أنهم يحتملون في المتابعات والشواهد، ما لا يحتملون في الأصول. قاله النووي. ويجوز أن يكون قال هذا تبركا وتيمنا، لا شكا. والله أعلم.