"والخضر" بفتح الخاء وكسر الضاد. ويجوز: إسكان الضاد، مع فتح الخاء وكسرها، كما في نظائره. "والخضر" لقب، وسيأتي بيان اسمه.
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يرفعه، عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: "إنما سمي الخضر: لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء. "الفروة": جلدة وجه الأرض.
[ ص: 206 ] وقيل: الهشيم من النبات، وهذا متعين لكونه نصا صحيحا صريحا في محل النزاع، مرفوعا إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: فلا التفات بعد هذا إلى وجه آخر، في تسميته بذلك.
قال النووي: وقيل: لأنه كان إذا صلى، اخضر ما حوله. قال: والصواب الأول. فقد صح في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري.. الخ.
قال: وبسطت أحواله في "تهذيب الأسماء واللغات". انتهى. والذي بسطه هناك، هو مطوي في ضمن هذا المقام.
قال فيه: وقيل: اسمه "بليا" بفتح الباء وسكون اللام، بعدها تحتية. مقصور. ابن ملكان، بن فالغ، بن عابر بن شالخ، بن أرفخشد، بن سام، بن نوح.
[ ص: 207 ] وقيل: "كليان".
قال في الفتح: فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل؛ لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم. وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هو ابن آدم لصلبه. وهو ضعيف منقطع.
وعن أبي حاتم: أنه ابن قابيل بن آدم. وعن "ابن لهيعة": كان ابن فرعون نفسه. وقيل: ابن بنت فرعون. وقيل: كان أخاه إلياس. وعن قوم: أنه كان من الملائكة، وليس من بني آدم.
قال النووي في "تهذيب الأسماء": وكنية الخضر: "أبو العباس". وهو صاحب موسى النبي "عليه السلام". الذي سأل السبيل إلى لقيه. وقد أنبأ الله تعالى عليه في كتابه، بقوله: [ ص: 208 ] فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وأخبر عنه في باقي الآيات: تلك الأعجوبات. وقال: موسى الذي صحبه: هو موسى بني إسرائيل، كليم الله تعالى. كما جاء به الحديث المشهور، في صحيحي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم. وهو مشتمل على عجائب، من أمرهما. والله أعلم.
(حديث الباب)
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي، ص 136 - 142 جـ 15، المطبعة المصرية
(عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير؛ قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما، (إن نوفا البكالي) هكذا ضبطه الجمهور بكسر الباء، وتخفيف الكاف. وروي بفتحها، وتشديد الكاف.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: هذا الثاني هو ضبط أكثر الشيوخ، وأصحاب الحديث.
قال: والصواب: الأول. وهو قول المحققين. وهو منسوب إلى "بني بكال" بطن من "حمير". وقيل: من "همدان".
و"نوف" هذا، هو ابن "فضالة". كذا قاله ابن دريد، وغيره. وهو ابن امرأة nindex.php?page=showalam&ids=16850 "كعب الأحبار". وقيل: ابن أخيه. والمشهور: الأول. قاله nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم، وغيره. قالوا: وكنيته: "أبو يزيد". وقيل: "أبو رشد".
وكان عالما حكيما، قاضيا إماما: لأهل دمشق.
(يزعم: أن موسى "عليه السلام" صاحب بني إسرائيل، ليس هو موسى) عليه السلام، صاحب الخضر) عليه السلام. وإنما هو موسى آخر، يسمى: "موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب".
[ ص: 212 ] (فقال) ابن عباس: (كذب عدو الله).
قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله، لا أنه يعتقد: أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفة قول الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم. وكان ذلك في حال غضب "ابن عباس)، لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ، ولا تراد بها حقائقها.
(سمعت nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم يقول: قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا أعلم) أي: في اعتقاده. وإلا فكان "الخضر" أعلم منه، كما صرح به في الحديث. (قال: فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه). أي: كان حقه أن يقول: الله أعلم. فإن مخلوقات الله تعالى، لا يعلمها إلا هو. قال الله تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو ).
(فأوحى الله إليه: أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين). قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: هو ملتقى بحري "فارس" و"الروم". مما يلي المشرق.
[ ص: 213 ] وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي عن nindex.php?page=showalam&ids=34 "أبي بن كعب): أنه بإفريقية.
(هو أعلم منك) أي: بشيء مخصوص. (قال موسى: أي رب! كيف لي به؟) أي: كيف يتهيأ لي أن أظفر به؟
(فقيل له: احمل حوتا). الحوت: السمكة. وكانت سمكة مالحة، كما صرح به في الرواية الثانية.
(الحوت، فهو ثم) بفتح الثاء، وتشديد الميم. أي: هناك.
واستدل العلماء، بسؤال "موسى" السبيل إلى لقاء "الخضر": على استحباب الرحلة في طلب العلم، واستحباب الاستكثار منه، وأنه يستحب للعالم وإن كان من العلم بمحل عظيم: أن يأخذه ممن هو أعلم منه، ويسعى إليه في تحصيله.
[ ص: 214 ] (فانطلق) موسى "عليه السلام)، (وانطلق معه فتاه) أي: صاحبه. (وهو يوشع بن نون) بن إفراثيم بن يوسف "عليه السلام" وهو بالصرف، كنوح.
وهذا الحديث، يرد قول من قال من المفسرين: إن فتاه "عبد" له، وغير ذلك من الأقوال الباطلة.
(فحمل موسى "عليه السلام" حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة التي عند ساحل مجمع البحرين. ويقال ثمة "عين" تسمى: بعين الحياة.
(فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت) أي: تحرك؛ لأنه أصابه من ماء عين الحياة (في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر ) فاتخذ سبيله في البحر سربا .
[ ص: 215 ] (قال: وأمسك الله عنه: جرية الماء)، بكسر الجيم (حتى كان مثل الطاق) أي: مثل "عقد البناء"، وجمعه "طيقان وأطواق"، وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء، وبقي ما تحته خاليا.
قال الكرماني: معجزة لموسى والخضر. انتهى. قلت: وفيه نظر.
(فكان للحوت سربا) أي: مسلكا. (وكان لموسى ولفتاه) عجبا. فانطلقا بقية يومهما وليلتهما) بالنصب والجر. (ونسي صاحب موسى: أن يخبره. فلما أصبح قال موسى عليه السلام لفتاه) أي: يوشع آتنا غداءنا طعامنا الذي نأكله، أول النهار.
قالوا: لحقه النصب والجوع؛ ليطلب الغداء، فيتذكر به نسيان الحوت. ولهذا (قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولم ينصب) أي: لم يجد موسى النصب (حتى جاوز المكان الذي أمر به. قال) فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت أن أخبرك بحياته، وانتصاب الماء مثل الطاق، وغيره. وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره لما بهر العقل، وحار الفهم: من عظيم القدرة. واتخذ سبيله في البحر عجبا وهو كونه كالسرب، فكان لدخول الحوت في الماء مسلكا.
قيل: إن لفظة "عجبا" يجوز: أن تكون من تمام كلام يوشع.
وقيل: من كلام موسى. أي: قال موسى: عجبت من هذا عجبا.
وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه: اتخذ موسى "سبيل الحوت في البحر" عجبا.
قال موسى: ذلك ما كنا نبغ أي: نطلب. ومعناه: أن الذي جئنا نطلبه، هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت.
[ ص: 217 ] فارتدا على آثارهما قصصا أي: رجعا في الطريق الذي جاءا فيه. (قال: يقصان آثارهما) قصصا. أي: يتبعان آثار مسيرهما اتباعا (حتى أتيا الصخرة) وانتهيا إليها، يلتمسان الخضر (فرأى رجلا نائما مسجى عليه بثوب) أي: مغطى كله به. (فسلم عليه موسى) عليه السلام، فرد عليه الخضر، (فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟) وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: "وهل بأرضي من سلام؟" أي: من أين السلام في هذه الأرض، التي لا يعرف فيها السلام؟ قال العلماء: "أنى" تأتي بمعنى: أين، ومتى، وحيث، وكيف.
(قال: أنا موسى. قال) الخضر: (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) أنا موساهم. (قال إنك على علم من علم الله، علمكه الله لا أعلمه) جميعه. قال القسطلاني: هذا التقدير واجب، دافع لمن استدل بقوله، (وأنا على علم من علم الله، علمنيه: لا تعلمه): بأن نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم: اختص بجمع الشريعة والحقيقة، ولم يكن لغيره من الأنبياء إلا أحدهما؛ لأنه يلزم منه: خلو بعض أولي العزم "غير نبينا، [ ص: 218 ] صلى الله عليه وآله وسلم": من الحقيقة، وإخلاء الخضر عن علم الشريعة. ولا يخفى ما فيه. قال: ولا ريب أن العالم بالعلم الخاص، لا يكون أعلم ممن له العلم العام. وهو حكم الشريعة والتكليف. فإن ضرورة الناس تدعوهم إلى ذلك.
(قال له موسى عليهما السلام: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرا)؛ لأن موسى لا يصبر على ترك الإنكار، إذا رأى ما يخالف الشرع.
(وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟). أي: كيف تصبر على ما أتولى من أمور: ظواهرها مناكير، وبواطنها لم يحط بها خبرك؟
وفي هذا: الأدب مع العالم، وحرمة المشايخ. وترك الاعتراض عليهم، وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم وحركاتهم وأقوالهم، والوفاء بعهودهم، والاعتذار عند مخالفة عهدهم. كما يدل على ذلك آخر هذه القصة، وأوسطها.
[ ص: 219 ] (قال) فانطلق الخضر وموسى)، ومعهما "يوشع بن نون"، (يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلماهم: أن يحملوهما. فعرفوا) أي: أصحاب السفينة (الخضر، فحملوهما بغير نول) بفتح النون، وإسكان الواو. أي: بغير أجر. و"النول، والنوال": العطاء.
(ولا ترهقني): لا تغشني وتحملني (من أمري عسرا). وهو اعتذار بالنسيان. أو أراد بالنسيان: الترك. أي: لا تؤاخذني بما تركت.
(ثم خرجا من السفينة. فبينما هما يمشيان على الساحل: إذا غلام) وضيء الوجه اسمه: "جيسون" بالجيم المفتوحة، والياء الساكنة. (يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله).
قال العلماء: فيه دليل على أنه كان صبيا ليس ببالغ؛ لأنه حقيقة الغلام. وهذا قول الجمهور: أنه لم يكن بالغا. وزعمت طائفة: أنه كان بالغا، يعمل بالفساد. واحتجت بقوله: (فقال) له (موسى: أقتلت نفسا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا ). فدل على أنه ممن يجب [ ص: 221 ] عليه القصاص. والصبي لا قصاص عليه. وبقوله: "كان كافرا" في قراءة nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس. كما ذكر في آخر الحديث.
والجواب عن الأول من وجهين؛
أحدهما: أن المراد: التنبيه على أنه قتل بغير حق.
والثاني: أنه يحتمل أن شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبي، كما أنه في شرعنا: يؤاخذ بغرامة المتلفات.
والجواب عن الثاني من وجهين؛ أحدهما: أنه شاذ، لا حجة فيه.
والثاني: أنه سماه بما يؤول إليه، لو عاش. كما جاء في الرواية الثانية.
ومعنى "زكية": طاهرة من الذنوب.
ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: ("فقلعه بيده هكذا"، وأومأ nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة بأطراف أصابعه، كأنه يقطف بها شيئا). انتهى.
[ ص: 222 ] فقال له موسى - منكرا عليه أشد من الأولى - ما تقدم. قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: اختلف العلماء في قول موسى: "إمرا ونكرا"، أيهما أشد؟ فقيل: "إمرا" لأنه العظيم. ولأنه في مقابلة خرق السفينة، الذي يترتب عليه في العادة: هلاك الذين فيها، وأموالهم. وهو أعظم من قتل الغلام. فإنها نفس واحدة.
وقيل: "نكرا" أشد؛ لأنه قاله عند مباشرة القتل حقيقة. وأما القتل في خرق السفينة فمظنون. وقد يسلمون في العادة. وقد سلموا في هذه القضية. وليس فيه ما هو محقق، إلا مجرد الخرق، والله أعلم.
وقال النووي: فيه ثلاث قراءات في السبع؛ الأكثرون: بما ذكر. والثانية: بالضم، وتخفيف النون. والثالثة: بإسكان الدال وإشمامها الضم، وتخفيف النون.
ومعناه: قد بلغت إلى الغاية، التي تعذر بسببها في فراقي.
[ ص: 223 ] فانطلقا، حتى إذا أتيا أهل قرية . قال الثعلبي: قال ابن عباس: هي "إنطاكية". وقال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين: "الأيلة" وهي أبعد الأرض من السماء.
(سأنبئك) أي: سأخبرك (بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) لكونه: منكرا من حيث الظاهر.
(قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "يرحم الله موسى! لوددت: أنه كان صبر، حتى يقص علينا من أخبارهما".
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم: "كانت الأولى من موسى نسيانا".
قال: "وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة، ثم نقر في البحر". فقال له الخضر: "ما نقص علمي وعلمك - من علم الله عز وجل -: إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر").
[ ص: 225 ] قال النووي: قال العلماء: لفظ "النقص" هنا: ليس على ظاهره. وإنما معناه: أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى: كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر. هذا على التقريب إلى الأفهام. وإلا فنسبة علمهما: أقل وأحقر.
وقد جاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: "ما علمي وعلمك في جنب الله، إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره" أي: في جنب معلوم الله.
وقد يطلق "العلم" بمعنى "المعلوم". وهو من إطلاق المصدر لإرادة المفعول، كقولهم: "رغم ضرب السلطان" أي: مضروبه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وقال بعض من أشكل عليه هذا الحديث: "إلا" هنا، بمعنى: "ولا". أي: ولا نقص، ولا مثل ما أخذ؛ لأن علم الله تعالى؛ لا يدخله نقص.
قال: ولا حاجة إلى هذا التكلف. بل هو صحيح كما بينا. انتهى.
قلت: وفي هذا الحديث: دليل على نفي علم الغيب، عن غير الله تعالى: بطريق دلالة التضمن، وإشارة النص، وفحوى الخطاب. وأن أحدا لا إحاطة له بعلمه سبحانه، وإن كان نبيا. وعلى هذا تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة المطهرة. وإليه ذهب الجماهير من السلف الصالح، [ ص: 226 ] وكافة العلماء: من المجتهدين، والمحدثين، والفقهاء المفرعين، إلا من لا يعتد به. وهذا هو الصواب الصحيح المختار. وقد قال تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو وكم من آيات بينات، وأحاديث شريفات: دلت على نفي علم الغيب عن جميع الناس، إلا ما شاء الله وارتضاه لأحد من عباده المرسلين، في شيء يسير من الأشياء، لا على الإطلاق؛ لأنه سبحانه وتعالى: استأثر بذلك. ومن ذلك الذي يشاركه "عز وجل" فيما اختص به هنالك؟ والله أعلم.
(قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: وكان nindex.php?page=showalam&ids=11 "ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: "وكان أمامهم") بدل قراءة العامة: "وراءهم" (ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان كافرا")، وكان أبواه مؤمنين.
وهذا الحديث يقال له: "حديث الخضر مع موسى، عليهما السلام" وله ألفاظ وطرق، في الصحيحين الكريمين. وفيه من الفوائد: ما لا [ ص: 227 ] يحصى في هذا المختصر، ويستدعي مؤلفا مستقلا في هذا الباب، شاملا للعين منه والأثر.
قال النووي: فيه "إثبات كرامات الأولياء"، على قول من يقول: الخضر ولي. قال الجزي المفسر، وأبو عمرو: هو نبي. واختلفوا في كونه مرسلا. وكذا قاله بهذه الحروف: غير الشيخ من المتقدمين.
وقال القشيري، وكثيرون: هو ولي. وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في تفسيره ثلاثة أقوال؛ الثالث: أنه من الملائكة. وهذا غريب ضعيف، أو باطل.
قال في "تهذيب الأسماء": وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، في أحاديث [ ص: 228 ] الدجال: "أنه يقتل رجلا"، ثم يحيي. قال إبراهيم بن سفيان "صاحب مسلم": يقال: إن ذلك الرجل، هو "الخضر". وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر في مسنده: إنه يقال: إنه الخضر.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري: احتج من قال بنبوته، بقوله: "وما فعلته عن أمري"). فدل على أنه نبي أوحي إليه، وبأنه أعلم من موسى. ويبعد أن يكون ولي أعلم من نبي.
وأجاب الآخرون: بأنه يجوز: أن يكون قد أوحى الله إلى نبي في ذلك العصر: أن يأمر الخضر بذلك. انتهى.
قلت: وهذا تكلف محض، يحتاج إلى دليل يدل عليه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي: "الخضر" نبي معمر، على جميع الأقوال، محجوب عن الأبصار. يعني: أبصار أكثر الناس. قال: وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان، حين يرفع القرآن. انتهى.
[ ص: 229 ] قلت: وهذا وإن كان ليس ببديع ولا بعيد، من قدر الله تعالى، وقضائه، - وقدرته سبحانه: تصلح لكل شيء -: لكن أنى لنا دليل ذلك من الكتاب والسنة، حتى نصير إليه ونعول عليه.
قال النووي: جماهير العلماء على أنه حي، موجود بين أظهرنا. وذلك متفق عليه عند الصوفية، وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته، والاجتماع به، والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة، ومواطن الخير: أكثر من أن يحصر، وأشهر من أن يستر. قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم في ذلك. قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين. انتهى.
قلت: المراد بهذا البعض: "صاحب صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري"، رضي الله عنه. ولاشك أن الحق المختار والقول الراجح معه، "رحمه الله تعالى"، ومع من وافقه وتابعه في ذلك، كما بيناه في تفسيرنا: "فتح البيان، في مقاصد القرآن". ولا مانع من أن رأى واحد من أهل العلم - الظاهر أو الباطن -: رجلا في مكان، اسمه "خضر"، وأنه قال للرائي والملاقي: إني أنا الخضر، فزعم أنه هو "الخضر" صاحب موسى عليهما السلام، وليس الأمر في نفس الأمر كذلك. وظاهر السنة المطهرة مع منكري وجوده. ولا دليل ينتهض للاحتجاج به على حياته، في يد من يقول بأنه حي. ولا اغترار بقول الجماهير من الصوفية، وغيرهم: في هذا الباب.
[ ص: 230 ] قال في "إرشاد الساري" نقلا عن النووي: الأكثرون على حياته. ثم قال: واتفق عليه سادات الصوفية، كابن أدهم، وبشر الحافي، ومعروف الكرخي، وسري السقطي، والجنيد. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز.