(عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جلس على المنبر ، فقال : عبد خيره الله بين أن يؤتيه : زهرة الدنيا) المراد بها : نعيم الدنيا ، وأعراضها ، وحدودها . شبهها بزهر الروض.
(وبين ما عنده ، فاختار ما عنده) عز وجل ، في الآخرة .
وإنما قال : "عبد" وأبهمه : ليظهر فهم أهل المعرفة ، ونباهة أصحاب الحق .
(فبكى أبو بكر ، رضي الله عنه ثم بكى) . هكذا هو في جميع النسخ . ومعناه : "بكى كثيرا، ثم بكى" . (وقال: فديناك بآبائنا ، وأمهاتنا) .
فيه : دليل لجواز التفدية . وقد سبق بيانه مرات .
(قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هو المخير) : بفتح الياء المشددة . (وكان أبو بكر أعلمنا به) أي : بالمراد من الكلام المذكور ؛ فبكى حزنا على فراقه ، وانقطاع الوحي "وغيره من الخير" : دائما .
[ ص: 266 ] (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن أمن الناس علي) بفتح الهمزة والميم ، وتشديد النون : أفعل تفضيل من "المن" : بمعنى العطاء ، والبذل . أي : إن من أبذل الناس لنفسه (في ماله ، وصحبته : أبو بكر) .
قال النووي : قال العلماء : معناه : "أكثرهم جودا وسماحة لنا ، بنفسه ، وماله" . وليس هو من "المن" الذي هو الاعتداد بالصنيعة ، لأنه "أذى" مبطل للثواب . ولأن المنة لله ولرسوله : في قبول ذلك ، وفي غيره . انتهى.
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13053 "ابن حبان" عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أربعين ألف درهم" .
[ ص: 267 ] (ولو كنت متخذا خليلا) من الناس ، غير ربي : (لاتخذت) منهم : (أبا بكر خليلا) ، لأنه أهل لذلك ، لولا المانع . فإن خلة الرحمن : لا تسع مخالة شيء غيره ، أصلا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : قيل : "أصل الخلة" : الافتقار ، والانقطاع .
"فخليل الله" : المنقطع إليه .
وقيل : لقصره حاجته على الله تعالى.
وقيل : "الخلة" : الاختصاص .
وقيل : الاصطفاء .
وسمي "إبراهيم عليه السلام" : خليلا ، لأنه والى في الله تعالى ، وعادى فيه .
قلت : ولا مانع من إرادة الجميع . ومعنى الحديث : أن حب الله تعالى ، لم يبق في قلبه موضعا لغيره .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
.
[ ص: 268 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وجاء في أحاديث ؛ أنه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=665919 "ألا ، وأنا حبيب الله" . فاختلف المتكلمون ؛ هل المحبة أرفع من المملة ؟ أم الخلة أرفع ؟ أم هما سواء ؟
فقالت طائفة : هما بمعنى ؛ فلا يكون الحبيب ، إلا خليلا ، ولا يكون الخليل ، إلا حبيبا .
وقيل : الحبيب أرفع ، لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل : الخليل أرفع . وقد ثبتت خلة نبينا "صلى الله عليه وآله وسلم" الله تعالى : بهذا الحديث . ونفى أن يكون له خليل ، غيره . وأثبت محبته : nindex.php?page=showalam&ids=10640لخديجة ، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وأبيها ، nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة وأبيه ، nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة وابنيها ، وغيرهم .
[ ص: 269 ] وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=3 "أبي هريرة" رضي الله عنه : "سمعت خليلي صلى الله عليه وآله وسلم" : فلا يخالف هذا ؛ لأن الصحابي : يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . (ولكن أخوة الإسلام) ، ومودته : حاصلة .
وفي رواية : "ولكن أخي وصاحبي" أي : في الغار . "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا ، ولكن أخوة الإسلام أفضل" .
وكذا عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، لكن بلفظ : "ولكن أخوة الإيمان ، والإسلام : أفضل" . فنفى الخلة المنبئة عن الحاجة ، وأثبت "الإخاء" المقتضي للمواساة . قاله nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي .
قال (في الفتح) : واستشكل بأن الخلة : أفضل من أخوة الإسلام ؛ فإنها تستلزم الأخوة وزيادة . وأجيب : بأن المراد : أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل من مودته مع غيره .
وقيل : أفضل بمعنى "فاضل" . .
[ ص: 270 ] قال : ولا يعكر على هذا : اشتراك جميع الصحابة ، في هذه الفضيلة ؛ فإن رجحان "أبي بكر" : عرف من غير ذلك ، وأخوة الإسلام ومودته : متفاوتة بين المسلمين : في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق ، وتحصيل كثرة الثواب . ولأبي بكر من ذلك : أكثره ، وأعظمه .
(لا تبقين في المسجد) : بنون التأكيد المشددة ، (خوخة ، إلا خوخة أبي بكر) : استثناء مفرغ.
والمعنى : لا تبقوا بابا غير مسدود ، إلا باب أبي بكر : فاتركوه بغير سد .
[ ص: 271 ] قال النووي : "الخوخة" بفتح الخاء : هي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ، ونحوه .
قيل : وفيه تعريض "بالخلافة له" إن أريد به الحقيقة . لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد ، كان لهم : الاستطراق منها إلى المسجد ، فأمر بسدها ، سوى خوخة أبي بكر ، تنبيها للناس على الخلافة . لأنه يخرج منها إلى المسجد للصلاة.
وإن أريد به المجاز : فالباب كناية عن الخلافة . والأمر بالسد : كناية عن نفي طلبها ، والتطلع إليها . كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا nindex.php?page=showalam&ids=1 "أبا بكر" .
قال التوربشتي : وأرى المجاز أقوى ؛ إذ لم يصح عندنا : أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر كان له منزل ، بجنب المسجد. وإنما كان منزله بالسنح ، من عوالي المدينة . انتهى .
وتعقبه (في الفتح) بأنه استدلال ضعيف ، لأنه لا يلزم من كون منزله ، كان بالسنح : أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد . ومنزله "الذي كان [ ص: 272 ] بالسنح : هو منزل أصهاره ، من الأنصار . وقد كان له إذ ذاك : زوجة أخرى . وهي nindex.php?page=showalam&ids=116 "أسماء بنت عميس" : بالاتفاق . وقد ذكر عمر بن شبة "في أخبار المدينة" : أن دار أبي بكر ، "التي أذن له في إبقاء الخوخة منها : إلى المسجد" : كانت ملاصقة للمسجد ، ولم تزل بيد أبي بكر ، حتى احتاج إلى شيء يعطيه : لبعض من وفد عليه ، فباعها ، فاشترتها منه : nindex.php?page=showalam&ids=41أم المؤمنين "حفصة" : بأربعة آلاف درهم . فلم تزل بيدها : إلى أن أرادوا : توسيع المسجد ، في خلافة nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، فطلبوها ليوسعوا بها المسجد ، فامتنعت ، وقالت : كيف بطريقي إلى المسجد ؟ فقيل لها : نعطيك دارا أوسع منها ، ونجعل لك طريقا مثلها ، فسلمت ورضيت.
ونحوه "عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم" ، ورجاله ثقات ؛ عن nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وزاد: nindex.php?page=hadith&LINKID=889355 "فكان يدخل المسجد وهو جنب ، وليس [ ص: 273 ] له طريق غيره" . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ورجاله ثقات ونحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=98 "جابر بن سمرة" ؛ عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني :
قال القسطلاني : وبالجملة ؛ فهي - كما قاله الحافظ بن حجر - أحاديث ، يقوي بعضها بعضا . وكل طريق منها : صالح للاحتجاج ، فضلا عن مجموعها. لكن ظاهرها : يعارض حديث الباب . والجمع بينهما : بما دل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=44 "أبي سعيد" ، عند nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ؛ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي : nindex.php?page=hadith&LINKID=889358 "لا يحل لأحد : أن يطرق هذا المسجد جنبا: غيري وغيرك" . والمعنى : أن باب nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، كان إلى جهة المسجد ، ولم يكن لبيته باب غيره . فلذلك : لم يؤمر بسده .
ومحصل الجمع : أن الأمر بسد الأبواب ، وقع مرتين ؛
ففي الأولى : استثنى nindex.php?page=showalam&ids=8عليا . وفي الأخرى : استثنى nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر . ولكن لا يتم ذلك ؛ إلا بأن يحمل ما في قصة nindex.php?page=showalam&ids=8علي : على الباب الحقيقي ، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي . والمراد به : "الخوخة" ، كما صرح به في بعض طرقه .
[ ص: 274 ] وكأنهم لما أمروا : بسد الأبواب ، سدوها ، وأحدثوا خوخا ، يستقربون الدخول منها : إلى المسجد ، فأمروا بعد ذلك : بسدها . وبهذا الطريق : جمع أبو بكر الكلاباذي ، في "معاني الأخبار" ، وصرح : بأن بيت "أبي بكر" : كان له باب من خارج المسجد ، وخوخة إلى داخل المسجد . وبيت nindex.php?page=showalam&ids=8علي : لم يكن له باب ، إلا من داخل المسجد. والله أعلم .