4603 [ ص: 5 ] باب : خير القرون قرن الصحابة ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم
وهو في النووي ، (في الباب المتقدم) .
(حديث الباب)
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم النووي ، ص87 ،88 ج16 المطبعة المصرية (عن زهدم بن مضرب عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين يحدث ؛ nindex.php?page=hadith&LINKID=661611أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "إن خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم" . -قال nindex.php?page=showalam&ids=40عمران : فلا أدري : أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعد قرنه" : مرتين ، أو ثلاثة- "ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ، ولا يستشهدون . ويخونون ، ولا يؤتمنون . وينذرون ، ولا يوفون . ويظهر فيهم السمن" ) .
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : "إن خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم") .
"القرن" بفتح القاف : أهل زمان واحد متقارب ، اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة . ويطلق على "مدة من الزمان" . واختلف في تحديده ؛
ذكر الحربي الاختلاف في قدره بالسنين : من عشر سنين ، إلى مائة [ ص: 6 ] وعشرين . ثم قال : وليس منه شيء واضح . ورأى أن القرن : "كل أمة هلكت ، فلم يبق منها أحد" .
قال : وهذا مذهب الجمهور . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر إلى أنه : قد يكون فيمن يأتي -بعد الصحابة- أفضل ممن كان في جملة الصحابة . وأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=666164 "خير الناس قرني" ليس على عمومه ، بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول . وقد جمع قرنه صلى الله عليه وآله وسلم : جماعة من المنافقين -المظهرين للإيمان- ، وأهل الكبائر ، الذين أقام عليهم ، أو على بعضهم : الحدود .
لكن روى nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=14274والدارمي : بإسناد حسن . وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : [ ص: 8 ] (قال أبو عبيدة : يا رسول الله ! هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك ، وجاهدنا معك . قال : قوم يكونون من بعدكم ، يؤمنون بي ، ولم يروني") .
قال : والحق ما عليه الجمهور ؛ لأن الصحبة لا يعدلها شيء . وحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=665354 "للعامل منهم أجر خمسين منكم" : لا دلالة فيه على أفضلية غير الصحابة ، على الصحابة . لأن مجرد زيادة الأجر : لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة . وإسناد حديث nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود السابق : ضعيف . فلا حجة فيه . وكلام nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : ليس على إطلاقه في حق جميع الصحابة . فإنه صرح في كلامه : باستثناء أهل بدر ، والحديبية .
والذي يظهر : أن "محل النزاع" يتمحض فيمن لم يحصل له ، إلا مجرد المشاهدة . أما من قاتل معه ، أو في زمانه بأمره ، أو أنفق شيئا من ماله بسببه ، أو سبق إليه بالهجرة والنصرة ، وضبط الشرع المتلقى عنه ، وبلغه لمن بعده : فلا يعدله في الفضل أحد بعده ، كائنا من كان .
هذا آخر كلام القسطلاني ، في "إرشاد الساري" .
ولا شك : أن أحدا ، لا يبلغ أحدا من الصحابة ، في فضيلة الصحبة ، التي هي من أشرف الفضائل ، وأكمل الشمائل ، وأعظم الخصال ، وأكرم الخلال . وأما كثرة الأجور ، ووفرة العلوم ، وشدة الرياضة : فقد يمكن أن يربو على بعضهم ، ويشاركهم في الإيمان ، [ ص: 9 ] ومراتب الإسلام والإحسان . وهذا الفضل الجزئي : لا يستلزم الفضل الكلي على بعضهم ، فضلا عن كلهم .
فالذي ذهب إليه الجمهور : هو المذهب المختار المنصور . وفيه : الصون كل الصون ، عن تطرق وهم النقص إلى جنابهم الرفيع ، والحفظ تمام الحفظ عن خيال المفضولية إلى مكانهم المنيع . فمجموعهم : لا شك أفضل من مجموع الأمة المتأخرة ، وإن كانت لها فضائل ، ومكارم ، وأجور كثيرة ، وعلوم ، ومناقب غزيرة . فإنهم هم ، ونحن نحن . وما للذرات والشموس ؟ وقد قيل في المثل السائر : ولا عطر بعد عروس .
هذه الروايات ، أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه . وفيها نص على خيرية القرون الثلاثة ؛ وهي قرن الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم .
[ ص: 11 ] واختار الشيخ أحمد "ولي الله" ، المحدث الدهلوي ؛ في (إزالة الخفاء) : أن المراد بقرنه صلى الله عليه وآله وسلم : زمان حياته .
والثاني : قرن الشيخين "أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما .
والثالث : مدة خلافة nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، إلى أن استشهد .
بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "قرني" ، فإنه أضاف القرن إلى نفسه الشريفة ، ثم عطف عليه "قرنين آخرين" . وأقل قدر سني القرن" : عشرة سنين .
وقد أقام هو صلى الله عليه وآله وسلم ، بالمدينة : هذا القدر .
ومثله : زمان خلافة nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق مع خلافة الفاروق ، مع شيء زائد يسير جدا . نحو عامين ونصف .
ثم هكذا مدة إمارة "ذي النورين" ، مع زيادة قليلة على مدتهما . فانحصرت القرون الثلاثة ، التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخيرية : إلى آخر حياة عثمان ، حتى قتل . ثم صار الأمر ملكا عضوضا .
وهذا الذي ذهب إليه "هذا الشيخ العظيم" : قول غريب جدا ، لم أقف عليه لغيره .
وفهم الجمهور ، من السلف ، والخلف - من حديث الباب ، وما في معناه- : أن المراد بقرنه صلى الله عليه وآله وسلم : قرن الصحابة إلى آخرهم موتا .
[ ص: 12 ] ثم الثاني كذلك ، إلى موت آخر التابعين .
ثم هكذا ، إلى وفاة آخر أتباعهم . بل ذهب بعضهم : إلى اعتبار أتباع الأتباع لهم . وهو القرن الرابع .
لكن لم تثبت رواية "رابعة" : ثبوتا يوجب المصير إليها .
وهذه القرون الثلاثة ، هي التي يعبر عن أهلها : "بالسلف" . وعمن بعدهم ، أو بعد القرن الرابع : بالخلف -في عرف العلماء واصطلاحهم- . وإلا ، فكل متقدم من الناس : سلف . والمتأخر منهم : خلف (في اللغة ، والمحاورة الحديثية ، وغيرها) .
وكل من ذهب إلى تحديد السلف الصالح وزمنهم ، والخلف وعصرهم ، إلى غير ما ذكرنا : فإنه لم يأت بفائدة واضحة ، ولم يعد بعائدة زائدة ، بيد القال والقيل . فاشدد يديك على هذا . والله أعلم .
[ ص: 13 ] قال العلماء : الجمع بينهما ؛ أن الذم في ذلك ، لمن بادر بالشهادة في حق الآدمي ، هو عالم بها قبل أن يسألها صاحبها .
وأما المدح ؛ فهو لمن كانت عنده شهادة الآدمي ، ولا يعلم بها صاحبها ، فيخبره بها : ليستشهده بها عند القاضي ، إن أراد .
ويلتحق به : من كانت عنده شهادة حسبة ، وهي الشهادة بحقوق الله تعالى . فيأتي القاضي ويشهد بها . وهذا ممدوح ، إلا إذا كانت الشهادة بحد ، ورأى المصلحة في الستر .
قال النووي : هذا الجمع بين الحديثين ؛ هو مذهب الشافعية ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، وجماهير العلماء . وهو الصواب . وقيل فيه أقوال ضعيفة ؛
منها : قول من قال بالذم مطلقا ، ونابذ حديث المدح .
ومنها : قول من حمله على شهادة الزور .
ومنها : قول من حمله على الشهادة بالحدود . وكلها فاسدة .
واحتج عبد الله بن شبرمة بهذا الحديث لمذهبه : في منعه الشهادة على الإقرار ، قبل أن يستشهد . ومذهب الشافعية والجمهور : قبولها .
قال أهل اللغة : "الخلف" : ما صار عوضا عن غيره . ويستعمل فيمن خلف بخير ، أو شر . لكن يقال في الخير : "بفتح اللام ، وإسكانها" . لغتان . الفتح : أشهر ، وأجود . وفي الشر : بإسكانها ، عند الجمهور . وحكي فتحها أيضا .
(ويخونون ولا يتمنون) . هكذا في أكثر النسخ : بتشديد النون .
وفي بعضها : "يؤتمنون" .
[ ص: 15 ] ومعناه : يخونون خيانة ظاهرة ، بحيث لا يبقى معها أمانة . بخلاف من خان بحقير مرة واحدة ، فإنه يصدق عليه : أنه خان . ولا يخرج به عن الأمانة ، في بعض المواطن .