قال النووي : اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم : حرام ، من فواحش المحرمات . سواء من لابس الفتن منهم ، وغيره ، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب ، متأولون ، كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة ، من هذا الشرح .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وسب أحدهم ، من المعاصي الكبائر . ومذهبنا ، ومذهب الجمهور : أنه يعزر ولا يقتل . وقال بعض المالكية : يقتل . انتهى .
وأقول : ليس كل سب على حد سواء ، بل فرق بين سب وسب . والسباب : أشد من السب . وسباب كل مؤمن : فسق . أي : خروج عن طريقة الإسلام . فكيف سب -أو سباب- من هو سلف صالح للأمة ، وإمام لهم ؟ قاتل الله الرفضة ! فقد نالوا منهم : ما لم يكن بحساب ، وأتوا في سبهم : بكل قبيح من أقسام السباب . وهذا من علامات الكفر ، لقوله تعالى : ليغيظ بهم الكفار .
[ ص: 23 ] وهذا دليل على أن حبهم : من حب الرسول ، وبغضهم من بغض الرسول . ولا ريب في كفر من يبغض الرسول ، ويتخذ أصحابه غرضا لسهام السباب ، ويخالف الأمر النبوي في ذلك : مع هذا التحذير الشديد ، الذي صدره صلى الله عليه وآله وسلم : باسم الجلالة . وما لنا ولهم ؟ "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم " . ولكن لا دواء لداء الجهل والضلالة . ولا مهدي إلا من هداه الله .
"والنصيف" : قال أهل اللغة : "النصف" وفيه أربع لغات ؛
كسر النون ، وضمها ، وفتحها ، وزيادة الياء . حكاهن عياض في "المشارق" ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي .
ومعنى الحديث : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ ثوابه في ذلك : ثواب نفقة أحد أصحابي : مدا ، ولا نصف مد .
قال القاضي : ويؤيد هذا : ما ذهب إليه الجمهور ؛ من تفضيل الصحابة كلهم : على جميع من بعدهم . يعني : إلى يوم القيامة .
قال : وسبب تفضيل نفقتهم : أنها كانت في وقت الضرورة ، وضيق الحال ، بخلاف غيرهم . ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وآله وسلم ، وحمايته . وذلك معدوم بعده . وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم . وقد قال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ، الآية .
[ ص: 24 ] هذا كله ؛ مع ما كان في أنفسهم : من الشفقة ، والتودد ، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده .
وفضيلة الصحبة -ولو لحظة- : لا يوازيها عمل ، ولا تنال درجتها بشيء . والفضائل لا تؤخذ بقياس . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : ومن أصحاب الحديث ، من يقول : هذه الفضيلة ، مختصة بمن طالت صحبته ، وقاتل معه ، وأنفق ، وهاجر ، ونصر . لا لمن رآه مرة ، كوفود الأعراب . أو صحبه آخرا بعد الفتح ، وبعد إعزاز الدين ؛ ممن لم يوجد له هجرة ، ولا أثر في الدين ، ومنفعة المسلمين .
قال : والصحيح هو الأول . وعليه الأكثرون . والله أعلم . انتهى .
[ ص: 25 ] هذا وقد قال "أبو علي الجياني" : قال nindex.php?page=showalam&ids=12147 "أبو مسعود الدمشقي" : هذا وهم . يعني : قوله -في سند حديث الباب- : بلفظ "عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة" . والصواب : "عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري" . لا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وكذا رواه : يحيى بن يحيى ، nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، والناس .
قال : وسئل nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن إسناد هذا الحديث ؛ فقال : يرويه nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، واختلف عنه . إلى قوله : والصحيح ، "عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد" . والله أعلم .