(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عز وجل خلق الخلق) جميعهم ، أو المكلفين . ويحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض ، وإبرازها في الوجود . أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم ، عند قوله تعالى : ألست بربكم ، لما أخرجهم من صلب آدم : nindex.php?page=hadith&LINKID=707061 "مثل الذر" .
(حتى إذا فرغ منهم) أي : قضى خلقهم ، وأتمه . ونحو ذلك مما يشهد : بأنه مجاز .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : "الفراغ" في اللغة : على ضربين ؛
أحدهما : الفراغ من شغل .
والآخر : القصد لشيء .
[ ص: 72 ] تقول : قد فرغت مما كنت فيه . أي قد زال شغلي به . وتقول "سأتفرغ لفلان" ، أي : سأجعله قصدي .
قال الطيبي في "حاشيته على الكشاف" : فهو محمول على مجرد القصد ؛ فهو كناية عن التوفر على النكاية . ثم استعيرت هذه العبارة ؛ للخالق جل جلاله ، وعز شأنه : لذلك المعنى . وإليه الإشارة ، بقوله تعالى : سنفرغ لكم . مستعار من قول الرجل لمن يتهدده : "سأفرغ لك" .
والوجه الآخر ، منزل على "الفراغ من الشغل" ، لكن على سبيل التمثيل . شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة : من الأخذ في الجزاء ، وإيصال الثواب والعقاب ، إلى المكلفين "بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا" بالأمر والنهي ، والإماتة والإحياء ، والمنع والعطاء ، وأنه سبحانه وتعالى ، لا يشغله شأن عن شأن : بحال من إذا كان في شغل ، يشغله عن شغل آخر ، إذا فرغ من ذلك الشغل : شرع في آخر . وقد ألم به "صاحب المفتاح" حيث قال : "الفراغ" : الخلاص من المهام . والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن . وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده . وهو المراد من قوله : وقع ذلك فراغا إلى طريق المثل . حكاه القسطلاني .
وأقول : الكلام في تأويل الفراغ والشغل ، المنسوبين إلى الله تعالى ، الواردين في الكتاب والسنة : من باب الخوض المنهي عنه . ولا حاجة بنا [ ص: 73 ] إلى أن نتفكر : في صفاته ومعانيها ، على حسب عقولنا القاصرة . ما للتراب ورب الأرباب ؟ بل وظيفتنا : الإقرار بما جاء عن الله ، وعن رسوله : على ما جاء ، من دون تأويل ، ولا تعطيل ؛ ولا تكييف ، ولا تمثيل .
وهذا هو منهج السلف الصلحاء : من الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم . وهو أسلم . ولا يأمن المتأول من الخلف : من أن يقع في الحمى ، ويأتي بما لا يرضاه القائل .
فدع عنك نهبا صيح في حجراته وهات حديثا ما حديث الرواحل
(قامت الرحم ، فقالت) أي بلسان الحال ، أو بلسان المقال .
(هذا مقام العائذ) أي : قيامي هذا ، مقام المستجير بك .
[ ص: 74 ] قال النووي : "العائذ" : المستعيذ . وهو المعتصم بالشيء ، الملتجئ إليه ، المستجير به .
(من القطيعة ، قال) تعالى (نعم . أما ترضين أن أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه ، وأرحمه . (وأقطع من قطعك ؟) فلا أرحمه . (قالت : بلى) يا رب ! (قال : فذاك لك) بكسر الكاف .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : "الرحم" -التي توصل ، وتقطع ، وتبر- : إنما هي "معنى من المعاني" ، ليست بجسم . وإنما هي "قرابة ونسب" ، تجمعه "رحم والدة" . ويتصل بعضه ببعض ، فسمي ذلك الاتصال : "رحما" . "والمعنى" لا يتأتى منه القيام ، ولا الكلام -فيكون ذكر قيامها- هنا- ، وتعلقها : ضرب مثل وحسن استعارة ، على عادة العرب في استعمال ذلك .
ولهذا ، سمي العقوق : "قطعا" . والعق : الشق . كأنه قطع ذلك السبب المتصل .
[ ص: 75 ] قال : ويجوز أن يكون المراد : قام ملك من الملائكة ، وتعلق بالعرش ، وتكلم على لسانها بهذا ، بأمر الله تعالى . انتهى ما حكاه النووي ، عن القاضي .
وإني ، والله ! لا أرضى بهذا القضاء من هذا القاضي ، أبدا ولا يرضى به أحد : من سلف هذه الأمة ، وأئمتها ، ولا ندري : ما الحامل له ، ولأمثاله من أهل الكلام : على الخوض في ذلك المرام ، والدخول في الكلام عليه ؟
فإن كان الباعث لهم على هذا : تنزيه ذات الله تعالى ، وصفاته . فلا منزه له سبحانه : أفضل منه تعالى ، وأعلم . ولم يوجب الله تعالى على أحد "من أمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم" : التأويل لصفاته . وإنما ندبهم إلى الإيمان بها ، والاعتراف بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . ومن أين ثبت -أن في كلام الله ، وكلام رسوله : الوارد في الصفات ، المشتمل عليها- : التشبيه ، والتمثيل ، وفي كلام المتكلمة الذين هم فرد من أفراد الأمة : التنزيه والتقديس ، مع قوله سبحانه : ليس كمثله شيء ، ولم يكن له كفوا أحد ؟ .
وأرى كل واحد من هؤلاء المتكلمين : يؤول كل صفة من صفاته ، بما يقع في قلبه . فإذا ثبت لصفة واحدة تأويلات عديدة : لم يعلم أي تأويل منها ، يوافق مرضاة الله ورسوله . فمن أين يؤخذ تأويل ويترك باقيها ؟
[ ص: 76 ] ولهذا قال بعض أهل الحق : إن التأويل ، فرع التكذيب . ولا ندري : ما الضرر في إجراء الصفات على ظواهرها ، مع السكوت عن معانيها ، ومع اعتقاد نفي التشبيه والمماثلة : حتى نخوض فيها ، ونصير من الخائضين ، الذين ذمهم الله تعالى في كتابه ؟ ورحم الله : عياضا ، ونوويا ، وغيرهما ! ممن اختاروا تأويل الصفات ، واقتحموا في هذه المهلكات . عافانا الله سبحانه عن ذلك ! ورزقنا الإيمان الصرف ، والانكفاف عن الخوض فيما هنالك .
هذا ؛ وقال النووي : قال العلماء : وحقيقة "الصلة" : العطف والرحمة . فصلة الله سبحانه وتعالى : عبارة عن لطفه بهم ، ورحمته إياهم ، وعطفه بإحسانه ونعمه . أوصلتهم : بأهل ملكوته الأعلى ، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12485ابن أبي جمرة : وكذا القول في "القطع" وهو كناية عن حرمانه الإحسان . انتهى .
والأولى : أن نفوض معنى صلته وقطعه : إلى واصله وقاطعه . "وهو سبحانه وتعالى" .
[ ص: 77 ] ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : لا خلاف في أن صلة الرحم : واجبة ، في الجملة ، وقطيعتها معصية كبيرة . قال : والأحاديث في الباب تشهد لهذا . ولكن الصلة درجات ؛ بعضها أرفع من بعض . وأدناها : ترك المهاجرة ، وصلتها بالكلام ، ولو بالسلام . ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ؛
فمنها : واجب . ومنها : مستحب .
لو وصل بعض الصلة ، ولم يصل غايتها : لا يسمى قاطعا .
ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له : لا يسمى واصلا .
قال : واختلفوا في حد "الرحم ، التي تجب صلتها ؛
فقيل : كل رحم محرم ، بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى : حرمت مناكحتهما . فعلى هذا : لا يدخل أولاد الأعمام ، ولا أولاد الأخوال .
واحتج هذا القائل : بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، أو خالتها : في النكاح ، ونحوه . وجواز ذلك في بنات الأعمام ، والأخوال .