(والأرواح) التي يقوم بها الجسد ، وتكون بها الحياة : (جنود مجندة) .
قال العلماء : معناه : جموع مجتمعة ، وأنواع مختلفة .
(فما تعارف منها) أي : توافق في الصفات ، وتناسب في الأخلاق : (ائتلف . وما تناكر منها) . أي : لم يوافق ، ولم يناسب : (اختلف) .
المراد : الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد . أي أنها خلقت أول خلقتها على قسمين ؛ من ائتلاف واختلاف ، إذا تقابلت وتواجهت .
ومعنى تعارفها : ما جعلها الله عليه من السعادة ، والشقاوة ،
[ ص: 96 ] والأخلاق ، في مبدأ الخلق . فإذا تلاقت الأجساد التي فيها الأرواح في الدنيا : ائتلفت على حسب ما خلقت عليه . ولذا ترى "الخير" يحب الأخيار ، ويميل إليهم ، "والشرير" يحب الأشرار ، ويميل إليهم .
ولفظ النووي : "تعارفها" هو لأمر جعلها الله عليه . وقيل : لأنها خلقت مجتمعة ، ثم فرقت في أجسادها . فمن وافق بشيمه ألفه . ومن باعده : نافر وخالفه .
ولفظ الطيبي : دل قوله "ما تعارف" : على تقدم اختلاط في الأزل ، ثم تفرق بعد ذلك في أزمنة متطاولة . ثم ائتلاف بعد التعارف . كمن فقد أنيسه وإلفه ، ثم اتصل به . وهذا التعارف إلهامات يقذفها الله في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة .
فلو أن رجلا مؤمنا ، جاء إلى مجلس فيه مائة منافق ، وليس فيه إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه . ولو أن منافقا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن ، وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه .
وللديلمي بلا سند ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، مرفوعا : "لو أن رجلا مؤمنا ، [ ص: 97 ] دخل مدينة فيها ألف منافق ومؤمن واحد لشم روحه روح ذلك المؤمن" . وعكسه .
ولأبي نعيم في الحلية ، في ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=12338 "أويس" : أنه لما اجتمع به هرم بن حيان العبدي ، ولم يكن لقيه ، وخاطبه nindex.php?page=showalam&ids=12338 "أويس" باسمه . قال له هرم : من أين عرفت اسمي واسم أبي ؟ فوالله ! ما رأيتك ، ولا رأيتني . قال : عرفت روحي روحك ، حين كلمت نفسي نفسك . وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله ، وإن نأت بهم الدار .
قال بعضهم : أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام . وأبعد البعد : تنافر التداني .
ولبعضهم :
إن القلوب لأجناد مجندة قول الرسول فمن ذا فيه يختلف ؟ فما تعارف منها فهو مؤتلف وما تناكر منها فهو مختلف
ولآخر :
بيني وبينك في المحبة نسبة مستورة في سر هذا العالم نحن الذين تحاببت أرواحنا من قبل خلق الله طينة آدم