أي : لا تسبوا فاعل النوازل ، فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى ، لأنه هو فاعلها ، ومنزلها . وأما الدهر الذي هو الزمان ، فلا فعل له ، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى . قاله النووي .
[ ص: 179 ] قلت : وأكثر الخلق ابتلاء بهذه البلية المنهي عنها زمرة الشعراء الغاوين . فإنهم لا يزالون يسبون الدهر ، ويعبرون عنها بعبائر شتى ، وألفاظ لا تحصرها : (إلى وحتى) . فتارة : يشكون الزمان ، وتارة الفلك ، وتارة الدهر ، وتارة الليل والنهار ، وتارة الحين ، وتارة الساعة ، ونحوها من الألفاظ ، وتارة يقولون : يا بؤس الزمان ! وأخرى : يا خيبة الأوان ! وآونة : يا دهراه ! وأخرى : فلكاه ! ومثلها من المباني ، كأنهم يرون الحوادث كلها ، والنوازل جميعها : أنها قد صدرت من الدهر نفسه ، لا من فاعلها الحقيقي ، الذي هو الله الواحد القهار ، فقاتلهم الله ! أنى يؤفكون ؟
قال القسطلاني : يسبون الدهر ، لأنهم كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس . وينكرون ملك الموت ، وقبضه الأرواح بأمر الله ، ويضيفون كل حادث يحدث : إلى الدهر والزمان . وأشعارهم : ناطقة بشكوى الزمان . وهذا مذهب الدهرية من الكفار .
والدهرية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه . ويزعمون : أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى . فكابروا العقول ، وكذبوا المنقول ، ووافقهم مشركو العرب . وإليه ذهب آخرون ، ولكنهم معترفون بوجود الصانع الإله الحق عز وجل ، ولكنهم كانوا ينزهون أن تنسب إليه المكاره ، ويضيفونها إلى الدهر . فكانوا لذلك يسبون الدهر .