قال: فقال رجل: يا رسول الله! القردة والخنازير، هي مما مسخ؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الله، عز وجل لم يهلك قوما، أو يعذب قوما، فيجعل لهم نسلا. وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك» ) .
[ ص: 369 ] (الشرح)
(عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (قال: قالت أم حبيبة) زوج النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، رضي الله عنها: (اللهم! متعني بزوجي «رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم» وبأبي «أبي سفيان» وبأخي «معاوية». قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: إنك سألت الله، عز وجل لآجال مضروبة، وآثار موطوءة) وزاد في رواية أخرى: «وأيام معدودة ) (وأرزاق مقسومة. لا يعجل شيئا منها قبل حله، ولا يؤخر منها شيئا بعد حله) .
قال النووي : ضبطناه بوجهين: فتح الحاء وكسرها، في المواضع الخمسة، من هذه الروايات.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: أن جميع الرواة على الفتح، ومراده رواة بلادهم، وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر، وهما لغتان. ومعناه: وجوبه وحينه. يقال: «حل الأجل» يحل: «حلا وحلا».
[ ص: 370 ] وهذا الحديث: صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة، لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة، عن ذلك.
وأما ما ورد في حديث: « nindex.php?page=hadith&LINKID=907851صلة الرحم تزيد في العمر » ونظائره: فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا. قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري هنا: قد تقرر بالدلائل القطعية: أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها. وحقيقة العلم: معرفة المعلوم على ما هو عليه. فإذا علم الله أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها؛ لئلا ينقلب العلم جهلا، فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص، فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى «ملك الموت أو غيره» ممن وكله الله بقبض الأرواح، وأمره فيها بآجال ممدودة؛ فإنه بعد أن يأمره بذلك، أو يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد، على حسب ما سبق به علمه في الأزل. وهو معنى قوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده .
قال النووي : مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله. وقالت المعتزلة: قطع أجله. والله أعلم.
[ ص: 371 ] (ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار، وعذاب في القبر لكان خيرا لك) .
قال النووي : فإن قيل: ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل؛ لأنه مفروغ، وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب، مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل؟
(قال: فقال رجل: يا رسول الله! القردة والخنازير هي مما مسخ؟
[ ص: 372 ] فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: «إن الله عز وجل، لم يهلك قوما، أو يعذب قوما، فيجعل لهم نسلا. وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك») أي: قبل مسخ بني إسرائيل . فدل على أنها ليست من المسخ. وجاء «كانوا» بضمير العقلاء، مجازا؛ لكونه جرى في الكلام ما يقتضي مشاركتها للعقلاء، كما في قوله تعالى: رأيتهم لي ساجدين ، وكل في فلك يسبحون .