قال النووي : معنى الحديث: أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا.
فمنهم: من يكون زناه حقيقيا، بإدخال الفرج في الفرج الحرام.
[ ص: 394 ] ومنهم: من يكون زناه مجازا: بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنا، وما يتعلق بتحصيله. أو بالمس باليد، بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع الزنا المجازي.
والفرج: يصدق ذلك كله أو يكذب. معناه: أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك. انتهى.
قلت: والذي يظهر لي في معنى هذا الحديث أن هذه الأمور كلها مقدمات للزنا، وقد يكون للمبادئ حكم المقاصد، فأطلق على هذه كلها: لفظ «الزنا» لأنها معاص صغيرة، ثم إن أولج صاحب هذه الأفعال فرجه في الفرج الحرام ثبت الإثم التام على كل من زنى من هذه الزنيات، وإن لم يولج، ولم يقع منه إلا هذه المقدمات، فليس عليه إثم الزنا الحقيقي، وإن لم يسلم من مباديه، فإنها تغفر بحسنات وطاعات يعتادها كل مسلم من الوضوء، والصلاة والصيام، والاستغفار، والتوبة والإنابة، مع الندم، والعزم على عدم الإتيان به، في مستقبل الزمان.
فحاصل الآيتين: أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم. وفسره nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بما في هذا الحديث من النظر، واللمس، ونحوهما، وهو كما قال. هذا هو الصحيح في تفسير «اللمم».
وقيل: أن يلم بالشيء ولا يفعله.
وقيل: الميل إلى الذنب، ولا يصر عليه.
وقيل غير ذلك، مما ليس بظاهر.
[ ص: 396 ] وأصل «اللمم، والإلمام»: الميل إلى الشيء وطلبه، من غير مداومة. والله أعلم.
وقد سئل بعض المشايخ: هل يقع الزنا من عارف بالله تعالى؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: وكان أمر الله قدرا مقدورا .
ثم الزاني: إن جلد في الدنيا وحد فقد طهر، وإن ستر الله عليه في الدنيا فسيستره -إن شاء الله تعالى- في الآخرة، ولا يعذبه (مع [ ص: 397 ] حصول التوبة الصحيحة الماحية للحوبة) .
وقد ورد في هذا أحاديث في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر المشهور «وإن سرق، وإن زنى»: يهدي المؤمنين إلى ترك القنوط منه سبحانه، ويبشر بعفو الذنوب، التي وقعت من أمر النفس الأمارة بالسوء، وإضلال إبليس اللعين.
اللهم! يا ربنا! اغفر لنا ذنوبنا، وتب علينا؛ إنك واسع المغفرة. وما أحق العصيان بأن يستجلب الرحمة من حضرة الرحيم الرحمن!!
لك الحمد كم من كربة قد كشفتها بنور من اللطف الخفي فتجلت لك الحمد فاكشف كربة الحشر إن دجت بنور من الغفران والرحمة التي