ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك») .
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين، من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) .
قال النووي : هذا من أحاديث الصفات، وفيها القولان:
أحدهما: الإيمان بها، من غير تعرض لتأويل، ولا لمعرفة المعنى.
[ ص: 399 ] بل يؤمن بأنها حق، وأن ظاهرها غير مراد، قال تعالى: ( ليس كمثله شيء ) .
والثاني: يتأول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا: المراد المجاز، كما يقال: «فلان في قبضتي، وفي كفي» لا يراد به أنه حال في كفه، بل المراد: تحت قدرتي، ويقال: «فلان بين إصبعي، أقلبه كيف شئت» أي: إنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت.
قال: فمعنى الحديث: أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء، لا يمتنع عليه منها شيء، ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه، ومثله بالمعاني الحسية؛ تأكيدا له في نفوسهم.
قال: فإن قيل: فقدرة الله تعالى واحدة، والإصبعان للتثنية. فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة، فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه، وغير مقصود به التثنية والجمع. والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله.
وأقول: نصوص الكتاب والسنة في مثل هذه الصفة وغيرها من الصفات الأخر، الثابتة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم:
[ ص: 400 ] تحمل على ظواهرها، تترجم بلغة أخرى على ألفاظها، ولا يجب تأويلها، وكان الله تعالى قادرا على أن لا يتكلم بعبارة ظاهرها خلاف التنزيه، ولا يتفوه بإشارة توجب التأويل، ولكنه سبحانه بين لنا من محامد ذاته المقدسة، ومكارم صفاته الحسنى: ما يجب علينا الإيمان به، من غير صرفه إلى احتمالات وتأويلات، تخطر ببال أحدنا من غير حجة ولا برهان، لا من سنة صحيحة، ولا من قرآن، فما لنا ولهذه التكلفات الباردة؟ لاسيما مع قوله سبحانه: ليس كمثله شيء ، ولم يكن له كفوا أحد فإن هاتين الجملتين المجملتين الكريمتين: تستأصلان كل تشبيه وتأويل، وتثبتان كل تنزيه من غير تكييف ولا تعطيل.
وقد وردت الأحاديث الصحيحة: في إثبات الأصابع، واليدين، والعين، والرجل، والقدم، ونحو ذلك، مما يكثر تعداده، وهي مفصلة في كتاب «الجوائز والصلات» فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يذر طريقة السلف، ويمشي على جادة الخلف، ويرضى بالتعطيل بإيثار التأويل، أو يسر التشبيه والتمثيل ويخالف ظاهر السنة السنية، الغراء البيضاء، التي ليلها كنهارها، وظاهر التنزيل.