(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان) أي: كلامان، من إطلاق الكلمة: على الكلام.
"والخفة" مستعارة، من السهولة. وقال الشوكاني : أي لا كلفة في النطق بهما: على الناطق لخفة، حروفهما. وذلك أنه ليس فيهما: حرف من حروف الاستعلاء، ولا من حروف الإطباق: غير الظاء. ولا من حروف [ ص: 630 ] الشدة: سوى الباء، والدال.
(ثقيلتان. في الميزان) ، لأن الأعمال تجسم. أو الموزون: صحائفها، لحديث البطاقة: المشهور، المتقدم في شرحنا هذا قريبا.
وعبارة الشوكاني : يعني أن أجرهما: عظيم كثير، ولهما في ميزان الحسنات: أثر عظيم.
(حبيبتان إلى الرحمن) أي: محبوبتان، يحب الرحمن قائلهما، فيجزل له من مكارمه: ما يليق بفضله.
وخص لفظ "الرحمن": إشارة إلى بيان سعة رحمته، حيث يجازي على العمل القليل: بالثواب الجزيل.
(سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) . كرر التسبيح: طلبا للتأكيد، واعتناء بشأنه.
وبهذا الحديث: ختم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صحيحه. وهو حديث: عظيم الشأن كثير الفائدة.
"وسبحان": اسم مصدر، لا مصدر. يقال: "سبح يسبح تسبيحا" لأن قياس مصدر "فعل، بالتشديد، إذا كان صحيح اللام: "التفعيل" كالتسليم، والتكريم.
وقيل: مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي. قاله في "اللباب.
[ ص: 631 ] ومعنى "أسبح الله": أنظم نفسي: في سلك الموقنين بتقديسه، عن جميع ما لا يليق بجنابه سبحانه. وأنه مقدس: أزلا، وأبدا. وإن لم يقدسه أحد.
وقيل: "مصدر نوعي"، على مثال ما يقال: "عظم السلطان"، أي تعظيما يليق بجنابه، ويناسب من يتصف بالسلطنة. والمعنى: أسبحه تسبيحا يختص به.
وقيل: "مصدر" أريد به: الفعل، مجازا. كما أن الفعل يذكر، ويراد به: المصدر، مجازا. كقوله: "تسمع بالمعيدي".
وقد فهم من هذا الحديث: تقدس الأسماء، والصفات. لأن الذات، مع الأسماء والصفات: متلازمان في الوجود والعدم: بالتحقيق. ولأن انتفاء تقديس الأسماء والصفات: يستلزم انتفاء تقديس الذات، لأنها قائمة بالذات، ومقتضياتها. لكن انتفاء تقديس الذات: منتف. وإذا حصل الاعتراف، والاعتقاد: بأنه منزه عن جميع النقائص، وما لا ينبغي أن ينسب إليه: ثبتت الكمالات ضرورة، التزاما. وحصل: توحيد الربوبية. وثبت التقديس في كل كمال: عن المشابهة، والمماثلة، والشركة، وكل ما لا يليق. فثبت: أنه "الرب" على الإطلاق، للأنفس والآفاق. فهو المستحق: لأن يشكر، ويعبد: بكل ما يمكن على الانفراد: بالحق والحقيقة.
وهذان الإثباتان: في ضمنهما كل مدح ممكن، فيما يرجع إلى الله تعالى.
ولما كان الاتصاف بالكمال الوجودي: مشروطة بخلوه عما ينافيه: قدم التسبيح على التحميد: في الذكر. كما تقدم التخلية، على التحلية.
ومن هذا القبيل: تقدم النفي على الإثبات، في "لا إله إلا الله".
قالوا: والواو في قوله "وبحمده": للحال. أي: أسبحه متلبسا بحمدي له، من أجل توفيقه لي: للتسبيح، ونحوه.
وقيل: عاطفة. أي: أسبح، وأتلبس: بحمده.
وأما الباء، فيحتمل: أن تكون سببية، أو للمصاحبة، أو للاستعانة.
ثم إن جنس الحمد - كما قال بعض العلماء -، لما وقع ذكره: بعد التقديس عن كل ما لا يليق به تعالى، بغير تخصيص بعض المحامد:
[ ص: 633 ] تضمن الكلام، واستلزم: إثبات جميع الكمالات الوجودية، الجائزة له: مطابقة. ولزم منه: التقديس عن كل ما لا يليق. وهو كل ما ينافيها، ولا يجامعها. هذا؛ مع أن "كلمة الجلالة": تدل على الذات المقدسة، المستجمعة للكمالات أجمع. وكذا: الضمير في "وبحمده": إلى الهوية الخاصة، السبوحية، القدسية، الجامعة لجميع خاصيات الذات الواجبة، وخواصها.
فهذه الكلمة: اشتملت على اسمي الذات، اللذين لا أجمع منهما؛ أحدهما: فيه اعتبار علية أحكام الشهادة، والغيب. والآخر: فيه علية أحكام الغيب، وغيب الغيب.
وأيضا: تشتمل على: جميع التقديسات، والتنزيهات، وعلى: جميع الأسماء، والصفات. وعلى: كل توحيد.
وختم بقوله: "سبحان الله العظيم": ليجمع بين مقامي الرجاء، والخوف؛ إذ معنى "الرحمن": يرجع إلى الإنعام، والإحسان.
ومعنى "العظيم": يرجع إلى الخوف، من هيبة الله تعالى.
وأما الموازنة: ففي قوله: (حبيبتان إلى الرحمن). ولم يقل: للرحمن، لأجل موازنته: "على اللسان".
[ ص: 634 ] وفيه: نوع من الاستعارة، في قوله: "خفيفتان"؛ فإنه كناية: عن قلة حروفهما، ورشاقتهما.
قال الطيبي: فيه استعارة، لأن الخفة: مستعارة للسهولة. انتهى.
قال القسطلاني "رحمه الله": والظاهر أنها من قبيل "الاستعارة بالكناية"؛ فإنه شبه "سهولة جريانهما على اللسان": بما يخف على الحامل، من بعض الأمتعة، فلا تتعبه، كالشيء الثقيل. فحذف ذكر المشبه به، وأبقى شيئا من لوازمه، وهو الخفة.
وأما الثقل؛ فعلى الحقيقة - عند أهل السنة - إذ الأعمال تتجسم، كما سبق.
وفيه: حث على المواظبة عليهما، وتحريض على ملازمتهما.
وتعريض: بأن سائر التكاليف: صعبة، شاقة، على النفوس ثقيلة.
وهذه: خفيفة، سهلة عليها. مع أنها تثقل في الميزان.
ويستفاد من هذا الحديث: أن مثل هذا السجع، جائز. وأن المنهي عنه - في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "سجع، كسجع الكهان"-: ما كان متكلفا، أو متضمنا الباطل، لا ما جاء من غير قصد، أو تضمن حقا.
وفي سنده - عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - من اللطائف: "القول": في موضعين، و"التحديث": في موضعين. والعنعنة وهي - في صحيحه -: محمولة على السماع.