(عن أسماء) بنت أبي بكر رضي الله عنهما (قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال: "تحته" أي: تقشره، وتحكه، وتنحته.
قال في "السيل الجرار": هذا النوع من أنواع الدم "ولا يصح" قياس غيره عليه. لأنه من قياس المخفف على المغلظ انتهى.
وقال في "وبل الغمام": إنه قد ثبت بالضرورة الدينية، نجاسة البول والغائط من الآدمي.
وما عداهما مما يخرج منه، ففيه خلاف. يعني: المني، والمذي، والودي، والدم، غير دم الحيض والنفاس.
وكذا الخارج من غيره من الحيوانات.
فمن أهل العلم من قال: بالنجاسة مطلقا.
ومنهم من قال: بالطهارة مطلقا.
ومنهم من حكم بنجاسة الخارج من غير المأكول، لا منه.
[ ص: 98 ] قال: والحق الحقيق بالقبول: "الحكم" بنجاسة ما ثبت نجاسته بالضرورة الدينية.
وأما ما عداه، فإن ورد فيه ما يدل على نجاسته، كالروثة، وجب الحكم بذلك من دون إلحاق.
وإن لم يرد، فالبراءة الأصلية كافية، في نفي التعبد بكون الشيء نجسا من دون دليل.
فإن الأصل في جميع الأشياء الطهارة. والحكم بنجاستها حكم تكليفي؛ تعم به البلوى، ولا يحل إلا بعد قيام الحجة. انتهى.
ثم تكلم على عدم ثبوت نجاسة المني، ونجاسة الخنزير، ونجاسة الخمر، والدم المسفوح، وطهارة الإهاب المدبوغ؛ وما أبين من الحي، وطهارة الماء المستعمل، وماء النبيذ.
وزاد في "السيل": طهارة الكلب، وعدم نجاسة المسكر، وطهارة اللبن مطلقا.
والحاصل: أنه لا ملازمة بين التحريم والنجاسة، فليس "كل حرام" بنجس. والوصف لبعض النجاسات بالتغليظ، وبعضها بالتخفيف، مجرد اصطلاح؛ لا يرجع إلى دليل. والواجب اتباع الدليل في إزالة عين النجاسة.
فما ورد فيه "الغسل" يغسل، حتى لا يبقى منه لون، ولا ريح، ولا طعم. وكان ذلك هو تطهيره.
[ ص: 99 ] وما ورد فيه الصب، أو الرش، أو الحت، أو المسح على الأرض، أو مجرد المشي في أرض طاهرة؛ كان ذلك تطهيره. فليكن منك هذا على ذكر، فإنه يخلصك من أمور شديدة، وقعت في كتب الفروع، ويهديك إلى طرح الشكوك الشيطانية، والوساوس الإبليسية، والتوهمات الفاسدة.
فإن ذلك مع كونها مخالفة للشريعة السمحة، السهلة، البيضاء، هي أيضا غلو في الدين، وقد ورد النهي عنه. وهو أيضا "إفراط" ودين الله تعالى إنما يؤخذ عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم لا ثالث لهما.
فدع عنك نهبا صيح في حجراته... وهات حديثا ما حديث الرواحل وقد تم الأخذ هنا من الجزء الأول، من شرح النووي nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم رحمهما الله تعالى. ويتلوه الجزء الثاني منه. وأوله كتاب "الصلاة" في المختصر للمنذري "رحمه الله" الذي هذا شرحه، وبالله التوفيق، وهو المستعان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.