انطلق إلى أرض كذا، وكذا. فإن بها أناسا، يعبدون الله. فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق، حتى إذا نصف الطريق: أتاه الموت، فاختصمت فيه: ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب؛ فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا، مقبلا بقلبه: إلى الله.
[ ص: 51 ] وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا، قط.
فأتاهم ملك - في صورة آدمي - فجعلوه بينهم: فقال: قيسوا ما بين الأرضين؛ فإلى أيتهما كان أدنى: فهو له.
فقاسوه، فوجدوه: أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة».
قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: فقال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت: ناء بصدره).
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ قال: كان فيمن كان قبلكم: رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدل على راهب، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة ؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به: مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدل على رجل عالم، فقال، إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة ؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا، وكذا. فإن بها أناسا، يعبدون الله عز وجل. فاعبد الله تعالى معهم. ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء).
وأن يستبدل بهم: صحبة أهل الخير والصلاح، والعلماء، والمتعبدين الورعين، ومن يقتدى بهم وينتفع بصحبتهم. وتتأكد بذلك توبته.
(فانطلق، حتى إذا نصف الطريق) أي بلغ نصفها. (أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب ؛ فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا، مقبلا بقلبه: إلى الله عز وجل.
وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى: فهو له. فقاسوا، فوجدوه: أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة. قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: فقال الحسن: ذكر لنا: أنه لما أتاه الموت، نأى بصدره) أي: نهض.
ويجوز تقديم الألف: على الهمزة، وعكسه.
وأما قياس الملائكة: ما بين القريتين، وحكم الملك الذي جعلوه بينهم بذلك، فهذا محمول على أن الله تعالى: أمرهم - عند اشتباه أمره [ ص: 53 ] عليهم، واختلافهم فيه -: أن يحكموا رجلا ممن يمر بهم. فمر الملك - في صورة رجل -، فحكم بذلك.
ولم يخالف أحد منهم، إلا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس. وأما ما نقل عن بعض السلف: من خلاف هذا ؛ فمراد قائله: الزجر عن سبب التوبة، لا أنه يعتقد: بطلان توبته.
قال النووي: وهذا الحديث ظاهر فيه. وهو إن كان شرعا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف. فليس موضع الخلاف.
فإن قتل عمدا مستحلا له، بغير حق، ولا تأويل: فهو كافر مرتد، يخلد به في جهنم: بالإجماع.
[ ص: 54 ] وإن كان غير مستحل، بل معتقدا تحريمه: فهو فاسق عاص، مرتكب كبيرة، جزاؤه جهنم خالدا فيها.
لكن بفضل الله تعالى.
ثم أخبر أنه لا يخلد - من مات موحدا - فيها. فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه، فلا يدخل النار أصلا. وقد لا يعفى عنه، بل يعذب كسائر العصاة الموحدين. ثم يخرج معهم إلى الجنة، ولا يخلد في النار.
قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية. ولا يلزم - من كونه: يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة - أن يتحتم ذلك الجزاء. وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم. وإنما فيها: أنها جزاؤه. أي: يستحق أن يجازى بذلك.
وقيل: إن المراد: من قتل مستحلا. وقيل: وردت الآية، في رجل بعينه. وقيل: المراد بالخلود: طول المدة، لا الدوام.
وقيل: معناها: هذا جزاؤه، إن جازاه.
وهذه الأقوال، كلها ضعيفة أو فاسدة: لمخالفتها حقيقة لفظ الآية.
وأما هذا القول، فهو شائع على ألسنة كثير من الناس. وهو فاسد، لأنه يقتضي أنه إذا عفي عنه: خرج عن كونها كانت جزاء. وهي جزاء. لكن ترك الله تعالى مجازاته: عفوا عنه، وكرما.