قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله! قال: «ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة. واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل»).
[ ص: 72 ] (الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة) رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: سددوا) أي: اطلبوا السداد، واعملوا به.
«والسداد»: الصواب. وهو بين الإفراط والتفريط. فلا تغلوا ولا تقصروا.
قال القسطلاني: وهو اتباع السنة، من الإخلاص وغيره (وقاربوا) أي: إن عجزتم عن السداد، فاقربوا منه.
وقال القسطلاني: أي: لا تفرطوا، فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك: إلى الملال، فتتركوا العمل.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: معنى الأمر بالسداد والمقاربة، أنه صلى الله عليه وآله وسلم، أشار بذلك ؛ إلى أنه: بعث ميسرا مسهلا ؛ فأمر أمته: بأن يقصدوا في الأمور، لأن ذلك يقتضي: الاستدامة، عادة.
(وأبشروا) أي: بالجنة: (فإنه لن يدخل الجنة أحدا: عمله.
قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله ! قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة) أي: يلبسنيها، ويغمدني ويسترني بها.
[ ص: 73 ] ومنه: «أغمدت السيف وغمدته»: إذا جعلته في غمده، وسترته به.
قال الرافعي (في أماليه): لما كان أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الطاعة: أعظم، وعمله في العبادة: أقوم. قيل له: «ولا أنت ؟ » أي: لا ينجيك عملك، مع عظم قدرك. فقال: لا. إلا برحمة الله.
[ ص: 74 ] قال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة: أنه لا يثبت بالعقل: ثواب، ولا عقاب، ولا إيجاب، ولا تحريم. ولا غيرهما من أنواع التكليف. ولا تثبت هذه كلها، ولا غيرها: إلا بالشرع.
ومذهب أهل السنة أيضا: أن الله تعالى، لا يجب عليه شيء - تعالى الله - بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما: ما يشاء. فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار: كان عدلا منه.
وإذا أكرمهم. ونعمهم، وأدخلهم الجنة: فهو فضل منه. ولو نعم الكافرين، وأدخلهم الجنة: كان له ذلك. ولكنه أخبر - وخبره صدق -: أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته. ويعذب المنافقين، ويخلدهم في النار: عدلا منه.
وأما المعتزلة، فيثبتون الأحكام: بالعقل. ويوجبون: ثواب الأعمال. ويوجبون: الأصلح. ويمنعون: خلاف هذا - في خبط طويل لهم - تعالى الله: عن اختراعاتهم الباطلة، المنابذة لنصوص الشرع.
[ ص: 75 ] من الآيات، الدالة على أن الأعمال، يدخل بها الجنة. فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة، بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها: برحمة الله تعالى، وفضله.
فيصح أنه لم يدخل: بمجرد العمل. وهو مراد الأحاديث. ويصح أنه دخل: بالأعمال. أي: بسببها. وهي من الرحمة. والله أعلم.
(واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل). فيه: الحث على إدامة العمل.
والمراد «بالدوام»: المواظبة العرفية. وهي الإتيان بذلك - في كل شهر، أو كل يوم -: بقدر ما يطلق عليه اسم «المداومة» عرفا. لا شمول الأزمنة: إذ هو غير مقدور.