وهذا الرجل، كان قد أسرف على نفسه. أي: بالغ وعلا في المعاصي. «والسرف»: مجاوزة الحد.
قال النووي: اختلف العلماء، في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا على أنه أراد: نفي قدرة الله. فإن الشاك في قدرة الله، كافر. وقد قال في آخر الحديث: «إنه إنما فعل هذا، من خشية الله». والكافر لا يخشى الله تعالى، ولا يغفر له. قال هؤلاء: فيكون له تأويلان ؛ أحدهما، أن معناه: «لئن قدر علي العذاب». أي: قضاه. يقال منه «قدر»: بالتخفيف. وقدر: بالتشديد. بمعنى واحد.
[ ص: 98 ] وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره. ولكن قاله هذا الرجل، وهو غير ضابط لكلامه، ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها. بل قاله في حالة غلب عليه فيها: الدهش والخوف، وشدة الجزع. بحيث ذهب تيقظه وتدبر ما يقوله، فصار في معنى الغافل والناسي.
وهذه الحالة: لا يؤاخذ فيها. وهو نحو قول القائل الآخر، الذي غلب عليه الفرح - حين وجد راحلته -: «أنت عبدي، وأنا ربك». فلم يكفره بذلك الدهش، والغلبة، والسهو.
وقد جاء في هذا الحديث، في غير nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: «فلعلي أضل الله» أي: أغيب عنه. وهذا يدل على أن قوله: «لئن قدر الله علي» على ظاهره.
وقالت طائفة: هذا من مجاز كلام العرب، وبديع استعمالها. يسمونه: مزج الشك باليقين. كقوله تعالى: وإنا أو إياكم لعلى هدى . فصورته: صورة شك. والمراد به: اليقين.
وقالت طائفة: هذا الرجل، جهل صفة من صفات الله تعالى. وقد اختلف العلماء: في تكفير جاهل الصفة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وممن كفره بذلك: nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري. وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري أولا.
[ ص: 99 ] وقال آخرون: لا يكفر بجهل الصفة، ولا يخرج به عن اسم الإيمان، بخلاف جحدها. وإليه رجع nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري. وعليه استقر قوله. لأنه لم يعتقد ذلك، اعتقادا يقطع بصوابه، ويراه دينا وشرعا. وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق.
قال هؤلاء: ولو سئل الناس عن الصفات، لوجد العالم بها قليلا.
وقالت طائفة: كان هذا الرجل (في زمن فترة)، حين ينفع مجرد التوحيد. ولا تكليف قبل ورود الشرع، على المذهب الصحيح. لقوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .
وقالت طائفة: يجوز أنه كان في زمن، «شرعهم فيه»: جواز العفو عن الكافر، بخلاف شرعنا. وذلك من مجوزات العقول، عند أهل السنة.