وأقول: ألف الحافظ ابن القيم، رحمه الله: كتابا في أحوال الجنة. وسماه: «حادي الأرواح، إلى بلاد الأفراح»، جمع فيه: كل ما جاء في هذا الباب، من القرآن والحديث. وهو كتاب شريف لطيف، جامع. لم يسبق إليه في ملة الإسلام. احتوى على علم كثير. وقد لخصته في مجلد وسيط. وسميته: «مثير ساكن الغرام، إلى روضات دار السلام» وهو تلوه في إفادة جميع ما فيه.
فإن كنت ممن يريد: الاطلاع على حال الجنة وأهلها، فعليك به.
ولا مندوحة لك منه.
وحيث بسطنا الكلام هناك، على الأدلة الواردة فيها: اختصرنا ههنا، في تشريح أحاديث هذا الكتاب إحالة عليه، وتركا للإطالة.
باب في أول زمرة تدخل الجنة
وأورده النووي، في (الكتاب المتقدم).
(حديث الباب)
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي، ص 170، 171 ج 17، المطبعة المصرية
لكل امرئ منهم: زوجتان اثنتان. يرى مخ سوقهما: من وراء اللحم. وما في الجنة أعزب ؟ »).
(الشرح)
(عن محمد)، يعني: ابن سيرين. (قال: إما تفاخروا - وإما تذاكروا -: الرجال في الجنة أكثر، أم النساء ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم): محمد رسول الله، (صلى الله عليه) وآله (وسلم: «إن أول زمرة، تدخل الجنة: على صورة القمر، ليلة البدر. والتي تليها: على أضوإ كوكب دري في السماء.
لكل امرئ منهم: زوجتان اثنتان. يرى مخ سوقهما: من وراء اللحم. وما في الجنة أعزب ؟ »).
«الزمرة»: الجماعة.
«والدري»: فيه ثلاث لغات، قرئ بهن في السبع، الأكثرون: «دري»، بضم الدال، وتشديد الياء، بلا همز.
[ ص: 144 ] والثانية: بضم الدال ؛ مهموز، ممدود.
والثالثة: بكسر الدال، مهموز، ممدود.
وهو «الكوكب العظيم».
قيل: سمي «دريا»: لبياضه، كالدر. وقيل: لشبهه «بالدر»، في كونه: أرفع من باقي النجوم. كالدر أرفع الجواهر.
وقوله: «زوجتان». هكذا في الروايات: «بالتاء». وهي لغة متكررة في الأحاديث، وكلام العرب. والأشهر: حذفها. وبه: جاء القرآن، وأكثر الأحاديث.
«وأعزب» بالألف. هكذا في جميع نسخ بلاد النووي. وهي لغة. والمشهور في اللغة: «عزب» بغير ألف.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: إن جميع رواتهم، رووه: بغير ألف، إلا «العذري»، فرواه بالألف. قال: وليس بشيء.
«والعزب»: من لا زوجة له. والعزوب: البعد. وسمي «عزبا» لبعده عن النساء.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: ظاهر هذا الحديث، أن النساء أكثر أهل الجنة. وفي الحديث الآخر: «أنهن أكثر أهل النار».
قال: فيخرج من مجموع هذا، أن النساء أكثر ولد آدم.
[ ص: 145 ] قال: وهذا كله في الآدميات. وإلا فقد جاء: «للواحد من أهل الجنة، من الحور: العدد الكثير». انتهى كلام النووي، رحمه الله.
قيل: فهذا يدل على أنهن، إنما يكن في الجنة بالحور العين، اللاتي خلقهن في الجنة. وأقل ساكنيها نساء الدنيا. فنساء الدنيا: أقل أهل الجنة، وأكثر أهل النار.
وأما كونهن أكثر أهل النار: فلحديث «عمران» عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11«ابن عباس» عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3«أبي هريرة» عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: بإسناد صحيح، وحديث «ابن عمرو»، أيضا، في المسند: nindex.php?page=hadith&LINKID=653002«اطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها: النساء».
وأما رواية «أبي يعلى الموصلي» عن nindex.php?page=showalam&ids=3«أبي هريرة» في حديث طويل ؛ يرفعه: «فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة، مما ينشئ الله، واثنتين من ولد آدم»: ففيه مقال.
وإذا روي مثل هذا، مما يخالف الأحاديث الصحيحة: لم يلتفت إلى روايته. انتهى.
ولعل أخذ الزيادة على الاثنتين: من رواية «أبي يعلى المذكورة قريبا. وقد عرفت أن فيه مقالا، لا يصلح للاحتجاج بسببه.
والذي خطر بالبال - حين تحرير هذا المقال -: أن الله سبحانه، أباح لكل رجل من هذه الأمة: أربع زوجات. فإن غفرهن كلهن: لا بد أن يكن عنده في الجنة. فيزيد العدد: على الاثنتين.
ولا منافاة بين هذا. وبين حديث الباب. فإن الاثنتين تكونان من الحور العين، وسائرهن: من نساء الدنيا. والله أعلم.