ألا، فإذا نزلت -أو وقعت- فمن كان له إبل: فليلحق بإبله. ومن كانت له غنم: فليلحق بغنمه. ومن كانت له أرض: فليلحق بأرضه.
[ ص: 295 ] قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم تكن له إبل، ولا غنم، ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه، فيدق على حده بحجر").
المراد: كسر السيف حقيقة، على ظاهر الحديث: ليسد على نفسه باب هذا القتال.
وقيل: هو مجاز. والمراد: ترك القتال. والأول أصح.
(ثم لينج، إن استطاع النجا). اللهم! هل بلغت؟ اللهم! هل بلغت؟ اللهم! هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت، حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه. أو يجيء سهم، فيقتلني؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار").
معنى "يبوء به": يلزمه، ويرجع ، ويحتمله.
أي: يبوء الذي أكرهك: بإثمه في إكراهك، وفي دخوله في الفتنة، وبإثمك في قتلك غيره، ويكون مستحقا للنار.
فقالت طائفة: لا يقاتل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله: فلا يجوز له المدافعة عن نفسه، لأن الطالب متأول. وهذا: مذهب nindex.php?page=showalam&ids=130 "أبي بكرة" الصحابي، رضي الله عنه، وغيره.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن الحصين، وغيرهما: لا يدخل فيها. لكن إن قصد: دفع عن نفسه.
قال النووي : فهذان المذهبان، متفقان على ترك الدخول في جميع فتن الإسلام.
[ ص: 298 ] وقال معظم الصحابة، والتابعين، وعامة علماء الإسلام: يجب نصر المحق في الفتن، والقيام معه: بمقاتلة الباغين. كما قال تعالى: فقاتلوا التي تبغي الآية.
قال النووي : وهذا هو الصحيح. وتتأول الأحاديث: على من لم يظهر له الحق، أو على طائفتين ظالمتين، لا تأويل لواحدة منهما.
ولو كان كما قال الأولون: لظهر الفساد، واستطال أهل البغي المبطلون. والله أعلم. انتهى.
وأقول: الراجح هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=130 "أبي بكرة"، لتظاهر الأحاديث الصحيحة به. وقد مرجت العهود، وفسدت العقود، منذ زمن طويل، وعسر معرفة المحق من المبطل.
وأني لنا: من يقاتل على الوجه المطلوب للشارع المحمود، على لسانه المرغب فيه منه، وغالب الفتن فسادات كبيرة، الحامل عليها: حب الدنيا، وحب الرياسة والجاه، دون إعلاء كلمة الله تعالى، الذي هو القتال في سبيل الله؟.
وحيث قعد السلف الصالح: من الصحابة والتابعين، وتجنبوا عن [ ص: 299 ] الدخول في فتن المسلمين الأولين . فكيف بفتن هذا الزمان الآخر؟
ومن يضمن لنا على الدخول فيها: المغفرة والشهادة؟
فالذي يترجح "بأدلة السنة المطهرة": هو ترك القتال والجدال مع إحدى الطائفتين، ولزوم البيت والقعود فيه، وإن قتل. والمدافعة جائزة، والترك أفضل وأولى وأوفق: بظاهر الحديث. والله أعلم.