قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل . -أو قال : البقر- شك إسحاق . إلا أن الأبرص ، أو الأقرع ، قال أحدهما : الإبل . وقال الآخر : البقر- قال : فأعطي ناقة عشراء . فقال : بارك الله لك فيها .
قال : فأتى الأقرع ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ، ويذهب عني : هذا الذي قد قذرني الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه ، وأعطي : شعرا حسنا .
قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر . فأعطي : بقرة حاملا . فقال : بارك الله لك فيها .
قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس .
قال : فمسحه ، فرد الله إليه بصره .
قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطي : شاة والدا .
[ ص: 527 ] فأنتج هذان ، وولد هذا . قال : فكان لهذا : واد من الإبل ، ولهذا : واد من البقر ، ولهذا : واد من الغنم .
قال : ثم إنه أتى الأبرص -في صورته ، وهيئته- فقال : رجل مسكين ؛ قد انقطعت بي الحبال في سفري . فلا بلاغ لي -اليوم- إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي أعطاك اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال : بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال : الحقوق كثيرة .
فقال له : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص ، يقذرك الناس ؟ فقيرا ، فأعطاك الله ؟
فقال : إنما ورثت هذا المال : كابرا ، عن كابر . فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .
قال : وأتى الأقرع -في صورته- فقال له مثل ما قال : لهذا . ورد عليه مثل ما رد على هذا .
فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .
قال : وأتى الأعمى -في صورته ، وهيئته- فقال : رجل مسكين ، وابن سبيل ؛ انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي -اليوم- إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي رد عليك بصرك : شاة أتبلغ بها في سفري . فقال : قد كنت أعمى ، فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله ! لا أجهدك -اليوم- شيئا ، أخذته لله .
فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي عنك ، وسخط على صاحبيك » ) .
[ ص: 528 ] (الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) رضي الله عنه ؛ (أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول : إن ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص ، وأقرع ، وأعمى . فأراد الله : أن يبتليهم ) .
وفي بعض النسخ : «يبليهم » بإسقاط التاء . ومعناهما : الاختبار .
(فبعث إليهم : ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي : قد قذرني الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه قذره ، وأعطي لونا حسنا ، وجلدا حسنا .
قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل - أو قال : البقر - شك إسحاق . إلا أن الأبرص أو الأقرع ، قال أحدهما : الإبل . وقال الآخر : البقر . قال : فأعطي : ناقة عشراء ) : الحامل القريبة الولادة .
(فقال : بارك الله لك فيها . قال : فأتى الأقرع ، فقال أي شيء أحب إليك ؟ فقال : شعر حسن ، ويذهب عني : هذا الذي قد قذرني [ ص: 529 ] الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه . قال : وأعطي : شعرا حسنا . قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر . فأعطي بقرة حاملا . قال : بارك الله تعالى لك فيها .
قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس . قال : فمسحه ، فرد الله إليه بصره . قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم . فأعطي : شاة والدا ) . أي : وضعت ولدها ، وهو معها .
(فأنتج هذان ، وولد هذا ) هكذا الرواية : «فأنتج » رباعي . وهي لغة قليلة الاستعمال . والمشهور : «نتج » ثلاثي . وممن حكى اللغتين : الأخفش .
ومعناه : «تولى الولادة » . وهي النتج ، والإنتاج .
ومعنى «ولد هذا » بتشديد اللام : معنى «أنتج » . والناتج : للإبل .
والمولد : للغنم وغيرها - هو كالقابلة للنساء - .
(فكان لهذا : واد من الإبل ، ولهذا : واد من البقر ، ولهذا : واد من الغنم .
قال : ثم إنه أتى الأبرص - في صورته وهيئته - فقال : رجل مسكين ، [ ص: 530 ] قد انقطعت بي الحبال ) : بالحاء ، وهي الأسباب . وقيل : الطرق .
وفي بعض نسخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : «الجبال » بالجيم .
وروي : «الحيل » جمع «حيلة » . وكل صحيح .
(في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم ، إلا بالله عز وجل ، ثم بك . أسألك : بالذي أعطاك : اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال : بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال : الحقوق كثيرة . فقال له : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص ، يقذرك الناس ؟ فقيرا ، فأعطاك الله ؟ فقال : إنما ورثت هذا المال : كابرا ، عن كابر ) أي : ورثته عن آبائي ، الذين ورثوه من أجدادي ، الذين ورثوه من آبائهم : كبيرا عن كبير (في العز ، والشرف ، والثروة ) .
(فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .
قال : وأتى الأقرع - في صورته ، وهيئته - فقال له مثل ما قال لهذا . ورد عليه مثل ما رد على هذا . فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .
قال : وأتى الأعمى - في صورته وهيئته - فقال له : رجل مسكين ، وابن سبيل ، انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم ، إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي رد عليك بصرك : شاة أتبلغ بها في سفري .
[ ص: 531 ] فقال : قد كنت أعمى ، فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت ، ودع ما شئت . فوالله ! لا أجهدك - اليوم - شيئا أخذته لله تعالى ) .
هكذا هو في رواية الجمهور : «أجهدك » بالجيم ، والهاء . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان : «أحمدك » بالحاء ، والميم .
ووقع في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بالوجهين . لكن الأشهر في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : «بالجيم » . وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : «بالحاء » .
ومعنى الجيم : لا أشق عليك ، برد شيء تأخذه ، أو تطلبه من مالي . «والجهد » : المشقة .
ومعناه بالحاء : لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه ، أو تريده . فتكون لفظة «الترك » : محذوفة مرادة . كما قال الشاعر :
ليس على طول الحياة ندم
أي : فوات طول الحياة .
(فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي عنك ، وسخط على صاحبيك ) : الأبرص ، والأقرع .
وفي هذا الحديث : الحث على الرفق بالضعفاء ، وإكرامهم ، وتبليغهم ما يطلبون : مما يمكن . والحذر : من كسر قلوبهم ، واحتقارهم .