(الشرح) (عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا):
أي: لم يرد جوابا ببيان الأوقات باللفظ.
بل قال له: صل معنا، لتعرف ذلك، ويحصل لك البيان بالفعل. وإنما تأولنا ذلك جمعا بين هذا وحديث بريدة.
ولأن المعلوم من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب إذا سئل عما يحتاج إليه.
(قال: فأقام الفجر، حين انشق الفجر؛ والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا؛ ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، "والقائل" يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر، والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من [ ص: 139 ] الغد حتى انصرف منها، "والقائل" يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت. ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس. ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت بين هذين").
"فيه" بيان أن للصلاة وقت فضيلة، ووقت اختيار.
"وفيه" البيان بالفعل، فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره.
"وفيه" تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين. "وفيه" احتمال تأخير الصلاة عن أول وقتها، وترك فضيلة أول الوقت لمصلحة راجحة. قاله النووي.
وحاصلها: أن أول وقت الظهر الزوال، وآخره مصير ظل الشيء مثله؛ سوى "فيء الزوال"، وهو: أول وقت العصر، وآخره ما دامت الشمس بيضاء نقية.
وأول وقت المغرب "غروب الشمس". وغروبها يستلزم: إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب. ويستلزم: ظهور النجم الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم "شاهدا" فلا مخالفة بين هذه العلامات لدخول وقت المغرب، فإنها متلازمة.
[ ص: 141 ] فهذه الأوقات لا ينبغي أن يقع في مثلها خلاف، لأن الأدلة عليها أوضح من كل واضح، وأظهر من كل ظاهر.
وقد كرر صلى الله عليه وسلم الإيضاح، وعلمهم ما لا يحتاجون بعده إلى شيء. وجعل هذه الأوقات منوطة بعلامات حسية، يعرفها كل من له بصر صحيح.
فلا نطيل الكلام في هذا، فإن الإطالة لا تأتي بطائل.
وقد حققنا تلك الأوقات في كتابنا "الروضة الندية" تحقيقا شافيا، وبينا أول وقت كل صلاة، من الصلوات الخمس، وآخره.
وبين صلى الله عليه وسلم بأقواله الصحيحة، وأفعاله الثابتة، أن الوقت لكل صلاة من تلك الصلوات هو: ما بين الوقتين. كما في حديث الباب وغيره.
فهذه الأوقات هي التي عينها الشارع للصلوات الخمس.
ولم يأت عنه أن الأوقات منقسمة إلى قسمين؛ وقت اختيار، ووقت اضطرار، كما بينه النووي وغيره.
بل غاية ما ورد عنه في بيان حالة الاضطرار؛ أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها، فقد أدركها.
فمن كان نائما، أو ناسيا، أو مغشيا عليه، أو نحو ذلك، وأدرك من الصلاة ركعة، فقد أدركها أداء، لا قضاء.
وأما من تركها من غير عذر، حتى خرج وقتها الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، [ ص: 142 ] فهو تارك الصلاة، وإن فعلها في وقت صلاة أخرى.
فكيف إذا تركها حتى يخرج وقت الصلاة الأخرى؟! كما يصلي الظهر وقت اصفرار الشمس، فإنه لم يصل أصلا، ولا فعل ما فرضه الله عليه.
بل جاء بصلاة في غير وقتها. بل في الوقت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وقت صلاة المنافق.
ولقد ابتلي زمننا هذا من بين الأزمنة، وديارنا هذه من بين ديار الأرض، بقوم جهلوا الشرع، وشاركوا في بعض فروع الفقه، فوسعوا دائرة الأوقات. وسوغوا أن يصلوا في غير أوقات الصلوات.
وصار غالب القوم لا يصلي الظهر والعصر، إلا عند اصفرار الشمس.
فيا الله للمسلمين من هذه الفواقر في الدين، وليبك على الإسلام في هذه الأزمان والأيام من كان باكيا.