قال النووي : الأمر بالقيام - عند الاختلاف في القرآن - محمول عند العلماء : على اختلاف لا يجوز ، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز : كاختلاف في نفس القرآن ، أو في معنى منه : لا يسوغ فيه الاجتهاد ، أو اختلاف يوقع في شك ، أو شبهة ، أو فتنة وخصومة ، أو شجار ، ونحو ذلك .
وأما الاختلاف : في استنباط فروع الدين منه ، ومناظرة أهل العلم في ذلك - على سبيل الفائدة ، وإظهار الحق ، واختلافهم في ذلك - : فليس منهيا عنه ، بل هو مأمور به ، وفضيلة ظاهرة . وقد أجمع المسلمون على هذا : من عهد الصحابة إلى الآن . انتهى .
[ ص: 635 ] قلت : ومن الاختلاف في القرآن ، المنهي عنه : اتباع متشابهات الكتاب . ومثله : السنة المطهرة ، فإنها تلو القرآن . « وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
وأكثر الناس ابتلاء في هذا : أصحاب الرأي ، وأصحاب الكلام ، وأهل البدع والمحدثات (من الصوفية ، والباطنية ، وغيرهم )؛ اختلفوا فيه اختلافا كثيرا وجاءوا بتأويلات ركيكة ، وتوجيهات سخيفة ، واحتمالات بعيدة ، صرفوا بها : ظاهر القرآن عن معناه الشرعي واللغوي ، اللذين عليهما : مدار الاستنباط ، والأحكام ، والعقائد ، وغيرها «حماية للمذاهب ، ووقاية للمشارب » ، وخبطوا خبط العشواء ، وعلى نفسها براقش تجني ؛ فحملوا آيات الصفات على غير المعنى المراد ، وأولوها بما يؤدي إلى تعطيلها . وكذلك أحاديث الصفات . وقالوا فيهما بالرأي ، وقد نهوا عنه . وتركوا طريقة السلف في إجرائها على ظاهرها : بلا تكييف ، ولا تأويل ، ولا تمثيل ، ولا تعطيل .
وزعموا : أن الحق فيما قالوه - وهم عن الحق وإيثاره على الباطل : بمراحل بعيدة - وتمسكوا بتقليد الرجال ، ووقعوا في شباك القيل والقال . وهلكوا كما هلك من قبلهم من أهل الكتاب .