إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؛ لما رأى من الناس إدبارا ، فقال : «اللهم ! سبع كسبع يوسف » . قال : فأخذتهم سنة ، حصت كل شيء ، حتى أكلوا الجلود ، والميتة : من الجوع ، وينظر إلى السماء أحدهم ، فيرى كهيئة الدخان .
فأتاه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ! إنك جئت تأمر : بطاعة الله ، وبصلة الرحم . وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم .
فالبطشة : يوم بدر . وقد مضت آية الدخان ، والبطشة ، واللزام ، وآية الروم ) .
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ؛ قال : كنا عند عبد الله جلوسا - وهو مضطجع بيننا - .
[ ص: 787 ] فأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إن قاصا عند أبواب كندة ) هو باب بالكوفة (يقص ويزعم : أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ، ويأخذ المؤمنين منه : كهيئة الزكام . فقال عبد الله - وجلس وهو غضبان - : يا أيها الناس ! اتقوا الله ؛ من علم منكم شيئا : فليقل بما يعلم . ومن لم يعلم : فليقل : الله أعلم . فإنه أعلم لأحدكم ، أن يقول - لما لا يعلم - : الله أعلم . فإن الله عز وجل ، قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : «قل ما أسألكم عليه من أجر ، وما أنا من المتكلفين » . إن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لما رأى من الناس إدبارا ، فقال : «اللهم ! سبع كسبع يوسف » . قال : فأخذتهم سنة ) .
(حصت كل شيء ) أي استأصلته ، (حتى أكلوا الجلود والميتة . من الجوع . وينظر إلى السماء أحدهم : فيرى كهيئة الدخان . فأتاه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ! إنك جئت تأمر : بطاعة الله ، وبصلة الرحم . وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم .
قال الله عز وجل : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ، [ ص: 788 ] إلى قوله : «إنكم عائدون » قال : أفيكشف عذاب الآخرة ؟ ) هذا استفهام إنكار ، على من يقول : إن الدخان يكون يوم القيامة ، كما صرح به في الرواية الثانية . فقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : هذا قول باطل ، لأن الله تعالى قال : إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون . ومعلوم : أن كشف العذاب ، ثم عودهم : لا يكون في الآخرة . وإنما هو في الدنيا .
« يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون . ( فالبطشة : يوم بدر . وقد مضت آية الدخان ، والبطشة ، واللزام ، وآية الروم ) وفسرها كلها في الكتاب ، إلا اللزام ، والمراد به قوله سبحانه : «فسوف يكون لزاما » أي يكون عذابهم لازما ، قالوا : وهو ما جرى عليهم «يوم بدر » : من القتل ، والأسر . وهي البطشة الكبرى .
وقد روي هذا الحديث عنه رضي الله عنه ؛ من غير وجه . وروي نحوه : عن جماعة من التابعين ؛ كمقاتل ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد .
قال الشوكاني في (فتح القدير ): ولا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان ، الذي كان يتراءى لقريش من الجوع ، وبين كون الدخان : [ ص: 789 ] من آيات الساعة ، وعلاماتها ، وأشراطها . فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضعاف : بذلك . وليس فيها : أنه سبب نزول الآية . فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها .
قال : والواجب التمسك بما ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن دخان قريش - عند الجهد والجوع - هو سبب النزول . وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أنه الدخان الذي من أشراط الساعة : «كابن كثير » في تفسيره ، وغيره في غيره . وهكذا يندفع قول من قال : إنه الدخان الكائن «يوم فتح مكة » ، متمسكا بما أخرجه ابن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ؛ قال : كان - يوم فتح مكة - دخان ، وهو قول الله تعالى : « فارتقب يوم تأتي السماء إلخ . فإن هذا لا يعارض ما في الصحيحين - على تقدير صحة إسناده - مع احتمال أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، ظن من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح : أنه المراد بالآية . ولهذا لم يصرح بأنه سبب نزولها . والله أعلم .