وقال النووي ، في الجزء الثاني ، في (باب الجهر بالقراءة في الصبح ، والقراءة على الجن ) .
(حديث الباب )
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي ، ص 167 ، 168 ج4 ، المطبعة المصرية
عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=657689ما قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : على الجن ، وما رآهم . انطلق رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في طائفة -من أصحابه- عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم . فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب . قالوا : ما ذاك إلا من شيء حدث . فاضربوا مشارق الأرض ، ومغاربها ؛ فانظروا : ما هذا الذي حال بيننا ، وبين خبر السماء ؟ فانطلقوا : يضربون مشارق الأرض ، ومغاربها .
فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة -وهو بنخل- عامدين إلى سوق عكاظ- وهو يصلي بأصحابه : صلاة الفجر- فلما سمعوا القرآن : استمعوا له ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء .
فحديث « nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس » في أول الأمر ، وأول النبوة حين أتوا فسمعوا : قراءة قل أوحي .
واختلف المفسرون : هل علم النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم استماعهم - حال استماعهم - : بوحي أوحي إليه ؟ أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك ؟
[ ص: 809 ] وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فقضية أخرى ، جرت بعد ذلك بزمان ، «والله أعلم بقدره » . وكان بعد اشتهار الإسلام .
(انطلق رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في طائفة من أصحابه : عامدين إلى سوق عكاظ ) : بضم العين ، وبالظاء المعجمة - يصرف ، ولا يصرف - .
«والسوق » : تؤنث ، وتذكر . لغتان .
قيل : سميت بذلك : لقيام الناس فيها على سوقهم .
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، وابن سعد : أن ذلك كان في «ذي القعدة » ، سنة عشر من المبعث ، لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف ، ثم رجع منها . فتكون القصة قبل الإسراء . ولكن لم يكن معه من أصحابه : إلا nindex.php?page=showalam&ids=138«زيد بن حارثة » . وهنا قال : «في طائفة من أصحابه » . فلعلها كانت وجهة أخرى . ويمكن الجمع : بأنه لما رجع ، لاقاه بعض [ ص: 810 ] أصحابه في أثناء الطريق ، فوافقوه . قاله الحافظ في (الفتح ) ، وبسط الكلام عليه ، فراجعه .
(وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ) .
ظاهر هذا الكلام : أن هذا حدث بعد نبوة نبينا ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن قبلها . ولهذا أنكرته الشياطين ، وارتاعت له ، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها : ليعرفوا خبره . ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ، حتى قطع بين الشياطين ، وبين صعود السماء واستراق السمع . كما أخبر الله تعالى عنهم : أنهم قالوا : وأنا لمسنا السماء ، فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا . وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا . وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها : لكونهم لم يعهدوه قبل النبوة . وكان رميها من دلائل النبوة .
وقال جماعة من العلماء : ما زالت الشهب - منذ كانت الدنيا - . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وغيرهما . وقد جاء ذلك في أشعار العرب ، وروى فيه nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حديثا .
قيل للزهري : فقد قال الله تعالى : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ، فقال : كانت الشهب قليلة ، فغلظ أمرها وكثرت - حين بعث نبينا ، [ ص: 811 ] صلى الله عليه وآله وسلم - وقال المفسرون نحو هذا ، وذكروا : أن الرمي بها ، وحراسة السماء : كانت موجودة قبل النبوة ، ومعلومة . ولكن إنما كانت تقع عند حدوث أمر عظيم : (من عذاب ينزل بأهل الأرض ، أو إرسال رسول إليهم ) وعليه تأولوا قوله تعالى : وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ؟
وقيل كانت الشهب - قبل - مرئية ومعلومة ، لكن رجم الشياطين وإحراقهم ، لم يكن إلا بعد نبوة نبينا ، صلى الله عليه وآله وسلم .
فقيل : هو «مصدر » فتكون الكواكب هي الراجمة المحرقة - بشهبها ، لا بأنفسها - .
وقيل : هو «اسم » فتكون هي بأنفسها التي يرجم بها ، ويكون «رجوم » : جمع «رجم » بفتح الراء . والله أعلم . هذا آخر كلام النووي رحمه الله .
(فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب . قالوا : ما ذاك إلا من شيء حدث . فاضربوا مشارق الأرض ، ومغاربها ) معناه : سيروا فيها كلها . [ ص: 812 ] ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=671937«لا يخرج الرجلان : يضربان الغائط » إلخ .
(فانظروا : ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ؟ فانطلقوا : يضربون مشارق الأرض ، ومغاربها . فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة ، وهو بنخل ) هكذا وقع في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وصوابه : «بنخلة » بالهاء . وهو موضع معروف هناك . كذا جاء صوابه في (صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ) . ويحتمل أنه يقال فيه : «نخل ونخلة » .
وأما «تهامة » : فبكسر التاء . هو اسم لكل ما نزل عن نجد - من بلاد الحجاز - ومكة : من تهامة .
قال ابن فارس في «المجمل » : سميت «تهامة » من «التهم » بفتح التاء والهاء : وهو شدة الحر ، وركود الريح .
وقال صاحب «المطالع » : سميت بذلك : لتغير هوائها . يقال : «تهم الدهن » : إذا تغير .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14065الحازمي ، أنه يقال في أرض تهامة : «تهائم » .
(عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر . فلما سمعوا القرآن : استمعوا له ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ) .
وفيه : إثبات صلاة الجماعة ، وأنها مشروعة في السفر ، وأنها كانت مشروعة من أول النبوة .
(فرجعوا إلى قومهم ، فقالوا : يا قومنا ! «إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا » ) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : ظاهر الحديث : أنهم آمنوا - عند سماع القرآن ولا بد لمن آمن عند سماعه : أن يعلم حقيقة الإعجاز ، وشروط المعجزة ، وبعد ذلك : يقع له العلم بصدق الرسول . فيكون الجن علموا ذلك : من كتب الرسل المتقدمين قبلهم - على أنه هو النبي الصادق ، المبشر به - .
واختلفوا أن مؤمنهم ومطيعهم : هل يدخل الجنة وينعم بها ( «ثوابا ومجازاة » له على طاعته ) ، أم لا يدخلون ويكون ثوابهم أن ينجوا من النار ، ثم يقال : كونوا ترابا كالبهائم ؟ وهذا مذهب ابن أبي سليم ، وجماعة .
والصحيح : أنهم يدخلونها ، وينعمون فيها : بالأكل والشرب ، وغيرهما . وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، وغيرهم .
قال في (فتح البيان ) : سورة «الجن » نزلت بمكة ، وهي ثمان وعشرون آية - في قول الجميع - وتسمى : «سورة قل أوحي » .
قال واختلف : هل رآهم النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أم لم يرهم ؟ وظاهر القرآن : أنه لم يرهم .
وروى « nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود » أنه رآهم . ورجحه العلماء .
والحق : صحتهما . وأن الأول : وقع أولا ، ثم نزلت «السورة » ، ثم أمر بالخروج إليهم .
وقد اختلف الناس (قديما وحديثا ) : في ثبوت وجود الجن ؛
فأنكر وجودهم : معظم الفلاسفة . واعترف به : جمع منهم ، وسموهم بالأرواح السفلية . وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية ، إلا أنهم أضعف .
وأما جمهور «أرباب الملل » ، وهم أتباع الرسل والشرائع : فقد اعترفوا بوجودهم ، لكن اختلفوا في ماهيتهم .
وقد نطق «الكتاب العزيز » ، والسنة المطهرة : بوجودهم . فلا اعتداد بمنكريهم .
[ ص: 815 ] وإذا جاء نهر الله : بطل نهر معقل . انتهى .
ومن جهلة الدهرية - في زماننا الحاضر هذا - : الفرقة المسماة «بالنيفرية » . وهي تنكر وجود الجن ، ووجود الملائكة ، بل وجود كل شيء غير محسوس . وهم كالأنعام ، بل هم أضل سبيلا . أقماهم الله ، وبدد شملهم . فقد تجاوز ضرارهم بدين الإسلام وأهله : الحدود .