عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث خصال: (من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ) أي: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشقات، في رضا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا.
(من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) ، محبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك أنه لا يصح المحبة لله ورسوله حقيقة. وحب الآدمي في الله ورسوله، وكراهة الرجوع إلى الكفر، لا يكون إلا لمن قوى الإيمان يقينه، [ ص: 136 ] واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه؛ وهذا هو الذي وجد حلاوته.
(والحب في الله ) ، من ثمرات حب الله.
قال بعض العلماء: «المحبة» مواطأة القلب على ما يرضي الرب سبحانه، يحب ما أحب، ويكره ما كره، واختلفت عبارات المتكلمين في هذا الباب بما لا يئول إلى اختلاف إلا في اللفظ.
وبالجملة «أصل المحبة» : الميل إلى ما يوافق المحب.
ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحسن الصورة، والصوت، والطعام، ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقا، وقد يكون لإحسانه إليه ودفع المضار والمكاره عنه.
وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم، لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم والإبعاد من الجحيم، وقد أشار بعضهم: إلى أن هذا منصور في حق الله تعالى. فإن الخير كله منه سبحانه وتعالى.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيره: «المحبة في الله» من واجبات الإسلام. وفي الكتاب العزيز: والذين آمنوا أشد حبا لله .
[ ص: 137 ] وفي الرواية الأخرى عنه عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=657069«وجد طعم الإيمان» ؛ ومن أعظم مكائد الشيطان، ما فتن به عشاق صور المرد والنسوان، وتلك لعمر الله! فتنة كبرى وبلية عظمى، استعبدت النفوس لغير خلاقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد، فصيرت القلب للهوى أسيرا، وجعلته عليه حاكما وأميرا، فأوسعت القلوب محنة، وملأتها فتنة، وحالت بينها وبين رشدها، وصرفتها عن طريق قصدها، ونادت عليها في سوق الرقيق فباعتها بأبخس الأثمان، وأعاضتها بأخسر الحظوظ وأدنى المطالب عن العالي من غرف الجنان، فضلا عما فوق ذلك من القرب من الرحمن، فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس، الذي «ألمها به أضعاف لذتها» ونيله والوصول إليه أكبر أسباب مضرتها، فما أوشكه حبيبا يستحيل عدوا عن قريب، ويتبرأ منه محبه لو أمكنه، حتى كأنه لم يكن بحبيب، وإن يمتع به في هذه الدار، فسوف يجد به أعظم الألم بعد حين، لاسيما إذا صار الأخلاء بعضهم لبعض عدوا إلا المتقين، فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس وشهوة عاجلة! ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، وذهبت الشهوة، وبقيت الشقوة، وزالت المسرة، وبقيت الحسرة، واحسرتاه لصب جمع له بين الحسرتين، حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم. فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع، وأن من كان مالك رقه وقلبه، لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع، [ ص: 138 ] فأي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه، وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه سريرا، وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهورا، قلبه في يد معشوقه كعصفورة في يد طفل يعذبها، قد ذهب نومه، وتغير لونه، وقلت راحته، وكثرت آفته، وكل ذلك في غير ذات الله تعالى.
والحاصل أن من أحب شيئا سوى الله تعالى، وسوى رسوله، فالضرر حاصل بمحبوبه، إن وجده، وإن فقده عذب بفواته، وتألم على قدر تعلقه به، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد وفاته، أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة، ومن أعرض عن حب مولاه، واشتغل ما عداه، جدير أن يعذب بما يهواه. وهل للعبد المربوب، أن يحب غير ربه المطلوب؟ وإنما حكى الله تعالى، العشق عن الكفرة: قوم لوط، وامرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة.
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم اسم التعبد على المحبة لغير الله في قوله الصحيح.
[ ص: 139 ] وإذا تأملت حال عشاق الصور، المتيمين فيها، وجدت هذه الآية منطبقة عليهم، تخبر عن حالهم.
قال بعض العلماء: ليس شيء من المحبوبات يستوعب حبه القلب إلا محبة الله، أو محبة بشر مثلك، أما محبة الله: فهي التي خلق لها البشر والعباد، وبها غاية سعادتهم وكمال نعيمهم. وأما محب البشر المماثل من ذكر وأنثى، فآفته من المشاكلة والمناسبة بين العاشق وبينه:
ما في الفؤاد لغير حبك موضع كلا ولا أحد سواك يحله
ومن كان في قلبه حب الله ورسوله؛ وجد حلاوة الإيمان، وذاق طعمه، وأغناه ذلك عن محبة الأنداد وتألهها.
وإذا خلا من ذلك احتاج إلى أن يستبدل ما يهواه، ويتخذ إلهه هواه، وهذا من تبديل الدين، وتغيير فطرة الله التي فطر عليها عباده، ومن ابتلي بهذه البلية، فليلجأ إلى الله الذي بيده الأمور كلها، أن يخلصه منها بفضله، وليصدق في ذلك.
ومن تاب تاب الله عليه، وإياه أن يبقى على هذه الفتنة حتى يأتيه اليقين وهو مبتلى بهذه الدناسة، ويقام بين يدي الله ونجاسة محبة غيره وغير رسوله صلى الله عليه وسلم فيه.
بل ينبغي أن يكون الله ورسوله. أحب إليه مما سواهما.
(وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار (وفي رواية: «يرجع» مكان «يعود» وقد جاء «العود والرجوع» ، بمعنى «الصيرورة» .
قال النووي: هذا حديث عظيم، وأصل من أصول الإسلام. وقال في «المشكاة» متفق عليه.