(عن أبي مسعود رضي الله عنه: (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ) أي: يسوي مناكبنا في الصفوف، ويعدلنا فيها، ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم".
وعلى الأول يكون اللفظان، بمعنى واحد، وعطف أحدهما لما اختلف اللفظ على الآخر تأكيدا.
قال أهل اللغة: واحدة النهى "نهية" بضم النون، وهي "العقل" ورجل نه، ونهي. من "قوم نهين".
وسمي العقل: "نهية" لأنه ينتهي إلى ما أمر به، ولا يتجاوز. وقيل لأنه ينهى عن القبائح.
قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدرا "كالهدى"، وأن يكون جمعا "كالظلم".
قال: "والنهى" في اللغة. معناه: الثبات، والحبس. ومنه: النهي؛ "والنهي" بكسر النون، وفتحها. "والنهية" للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي: فرجع القولان في اشتقاق "النهية" إلى قول واحد. وهو "الحبس" "فالنهية" هي التي تنهى وتحبس عن القبائح. والله أعلم.
[ ص: 291 ] "ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
في الحديث، تقديم الأفضل، فالأفضل، إلى الإمام. لأنه أولى بالإكرام. ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف: فيكون هو أولى.
ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على "السهو" لما لا يتفطن له غيره. وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها. وينقلوها ويعلموها الناس.
وليقتدي بأفعالهم من وراءهم.
ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة: أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام، وكبير المجلس.
كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث ونحوها. ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم، والدين، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة، في ذلك الباب.
والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك.
(قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا ) .
يريد: زمانه. فكيف بهذا الزمان الذي عاد الإسلام فيه غريبا، وأي غريب؟ درس فيه معالم السنن كلها.
وقد صارت هذه السنة الصحيحة، المحكمة الصريحة، في هذا العصر؛ بل منذ أعصار خالية، مهجورة كأنها شريعة منسوخة، لا يرى لها عين، ولا أثر، في صلاة ولا في مسجد.
ودب من هذا الاختلاف الظاهر، الاختلاف في بواطن المسلمين.