(عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه؛ (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن" ) .
هذا الحديث صريح في وجوب البناء على اليقين. وهو مفسر لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيحمل عليه، وهذا متعين، فوجب المصير إليه، مع ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد من الموافقة لقواعد الشرع في الشك.
وحملوا التحري في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، على الأخذ باليقين.
والشك في اللغة: التردد بين وجود الشيء وعدمه. كله يسمى شكا سواء فيه المستوي الطرفين، والراجح، والمرجوح.
والحديث يحمل على اللغة، ما لم يكن هناك حقيقة شرعية، أو عرفية. ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح. قاله النووي.
وأقول: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الأمر باطراح الشك، والبناء على اليقين.
[ ص: 534 ] وفي بعضها: البناء على الأقل. وفي بعضها: الأمر بتحري الصواب.
والجمع بين هذه الروايات ظاهر واضح. وهو أن من عرض له الشك إن أمكنه تحري الصواب، وذلك بأن ينظر في الأمور، التي تفيد معرفة الصواب، كان ذلك واجبا عليه.
فإن لم يفده التحري وجب عليه البناء على اليقين، وهو البناء على الأقل.
ويجب عليه السجود بمجرد عروض هذا الشك، كما صرحت به الأحاديث الصحيحة.
وإذا وجب اطراح الشك في الركعة، كان وجوب اطراحه في الركن ثابتا بفحوى الخطاب، لأن الركن، له حكم الركعة.
فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان". أي: إغاظة له، وإذلالا. مأخوذ من الرغام، وهو التراب. ومنه: أرغم الله أنفه.
والمعنى أن الشيطان لبس عليه صلاته، وتعرض لإفسادها ونقصها، [ ص: 535 ] فجعل الله تعالى للمصلي طريقا إلى جبر صلاته، وتدارك ما لبسه عليه وإرغام الشيطان، ورده خاسئا مبعدا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود.
وفي هذا الباب خمسة أحاديث؛ منها هذا الحديث، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيمن شك فلم يدر كم صلى؟ ولم يذكر فيه موضع السجدة، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وفيه القيام إلى خامسة، وأنه سجد بعد السلام.
وحديث ذي اليدين، وسيأتي. وفيه السلام من اثنين، والمشي، والكلام، وأنه سجد بعد السلام.
وحديث ابن بحينة، وفيه القيام من اثنين، والسجود قبل السلام. واختلف أهل العلم في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث، فقال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري: لا يقاس عليها، بل تستعمل في مواضعها على ما جاءت.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بقول داود، في هذه الصلوات خاصة، وخالفه في غيرها.
وقال: يسجد فيما سواها: "قبل السلام" لكل سهو.
وأما الذين قالوا بالقياس، فاختلفوا.
فقال بعضهم: هو مخير في كل سهو، إن شاء سجد بعد السلام، وإن شاء قبله، في الزيادة والنقص.
[ ص: 536 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: الأصل هو السجود بعد السلام. وتأول باقي الأحاديث عليه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: الأصل هو السجود قبل السلام، ورد بقية الأحاديث إليه.
هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري ملخصا. قال النووي : وهو كلام حسن نفيس.
وأقوى المذاهب هنا، مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، ثم مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وله قول كمالك.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض: لا خلاف بين هؤلاء وغيرهم من العلماء، أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة، أو النقص، أنه يجزئه، ولا تفسد صلاته. وإنما اختلافهم في الأفضل والله أعلم. انتهى.
وأقول: هذه المسألة قد طال فيها الخلاف، وقد استوفى الكلام في المذاهب، وما استدل به لكل مذهب، إمامناالشوكاني قدس روحه في شرحه "للمنتقى".
وذكر فيها ثمانية مذاهب. ثم قال في "السيل الجرار": ولاح لي ما ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا.
[ ص: 537 ] وهو أنه يسجد لما سجد له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام كذلك. ولما سجد له بعد السلام كذلك. وللسهو الخارج عن المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون المصلي مخيرا: إن شاء سجد قبل السلام، وإن شاء سجد بعده، لأن الكل قد ثبت. وهذا قول حسن، وجمع جامع بين الأدلة والله أعلم. انتهى.
وهذا عندنا أقوى الأقوال، وألصقها بالأدلة. قال الجمهور: ولو سها سهوين فأكثر، كفاه سجدتان للجميع. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وجمهور التابعين. وعن nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى: لكل سهو سجدتان. وفيه: حديث ضعيف قاله النووي.
وأقول: أحسن ما يستدل به لهذا، أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة، أنهم كرروا السجود لتكرر السهو، مع أن تكرر السهو ممكن من كل مصل.
ثم الأحاديث التي ذكر فيها السجود لمن سها في صلاته، شاملة للفريضة والنافلة، والسهو فيه كالسهو في الصلاة لشمول أحاديث السهو له.
وأما ما قاله بعض أئمة النحو: المصغر لا يصغر، فهو بمعزل عن الفقه في الدين.
[ ص: 538 ] وإذا كان سهو الإمام في فعل أو ترك، وتابعه المؤتم في ذلك الفعل، أو الترك سهوه، فسجوده مع الإمام يكفي في فعل.
وإن كان قد وقع منه سهو غير سهو الإمام، فعليه أن يسجد له لدخول هذا السهو في جملة الأدلة في سجود السهو.
قال في "السيل الجرار": أما إيجاب السجود على المؤتم لما عرض له من السهو في صلاة نفسه، فذلك صواب.
لأن دلالة سجود السهو تتناوله، ولم يرد ما يدل على أن مجرد سجوده مع الإمام لسهو الإمام، يسقط عنه السجود لسهو نفسه. انتهى.