(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة» رضي الله عنه «: قال: سمعت النبي» صلى الله عليه وسلم يقول: «جاء أهل اليمن ) .
قال النووي ناقلا عن nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح: المراد بذلك، الموجودون منهم حينئذ، لا كل أهل اليمن في كل زمان. فإن اللفظ لا يقتضيه؛ هذا هو الحق في ذلك، ونشكر الله تعالى على هدايتنا له والله أعلم انتهى.
قلت: عدم اقتضاء اللفظ له، ليس يختص بأهل اليمن، بل هذا الحكم يجري في كل حديث، جاء على منوال هذا الحديث. ولكن الأخبار الصحيحة، الواردة في مناقب اليمن وأهله، وكذا الواردة في مناقب [ ص: 186 ] غيرهم، يستأنس بها لفضائل أهلها إلى الآن، فإن الأصول تسري في الفروع، ثم إن التجربة، شاهد بأن ما يوجد من الإيمان والحكمة والفقه في اليمن، في كل زمان إلى زماننا هذا، لم يوجد مثله في سائر الأقطار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، إن شاء الله تعالى.
وهذا الوجود، يصحح مفهوم الحديث. والله يختص برحمته من يشاء؛ فلا وجه لقصره على الموجودين، ورحمة الله أوسع من ذلك.
(هم أرق أفئدة ) المشهور: أن «الفؤاد» هو القلب.
(وأضعف قلوبا ) ، وعلى هذا يكون كرر لفظ «القلب» بلفظين؛ وهو أولى من تكريره بلفظ واحد.
وقيل: «الفؤاد» غير القلب؛ وهو عين القلب. وقيل: «باطن القلب» . وقيل: «غشاء القلب» . ووصفها بالرقة والضعف، وباللين؛ كما في خبر آخر، أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر، بقوارع التذكير، سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين.
(الإيمان يمان ) وكذا «يمانية» ، هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية، لأن الألف المزيدة فيه، عوض من ياء النسب المشددة؛ فلا يجمع بينهما.
وقال ابن السيد في كتابه «الاقتضاب» : حكى nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد وغيره أن التشديد لغة. قال الشيخ: وهذا غريب.
وقد حكى الجوهري وصاحب «المطالع» وغيرهما من العلماء عن nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه:
[ ص: 187 ] أنه حكي عن بعض العرب: أنهم يقولون «اليماني» ، بالياء المشددة، وأنشد لأمية بن خلف:
يمانيا يظل يشب كيرا وينفخ دائما لهب الشواظ
والله أعلم. هكذا في شرح النووي nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم.
وحاصله: أن نسبة الإيمان إلى أهل اليمن، قد صرفوه عن ظاهره، من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة؛ ثم من المدينة؛ حرسها الله تعالى.
فحكى nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد «إمام الغرب» ، ثم من بعده، في ذلك أقوالا:
«أحدها» ، أنه أراد بذلك «مكة» . فإنه يقال: إن مكة من «تهامة» . وتهامة من أرض اليمن.
[ ص: 188 ] «والثاني» أن المراد «مكة والمدينة» ، فإنه يروى في الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن؛ فأشار إلى ناحية «اليمن» ، وهو يريد «مكة والمدينة» ، فقال: «الإيمان يمان» ونسبهما إلى اليمن، لكونهما حينئذ من ناحية اليمن؛ كما قالوا «الركن اليماني» ، وهو بمكة. لكونه إلى ناحية اليمن.
«والثالث» ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها «عند nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد» : أن المراد بذلك «الأنصار» ، لأنهم يمانيون في الأصل؛ فنسب الإيمان إليهم، لكونهم أنصاره.
وهذه الأجوبة كلها ضعيفة مبنية على شفا جرف هار.
ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح «رح» : لو جمع nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد، ومن سلك سبيله، طرق الحديث بألفاظه، كما جمعها مسلم وغيره، وتأملوها، لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولما تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد «اليمن وأهل اليمن» على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك؛ إذ من ألفاظه «أتاكم أهل اليمن» والأنصار من جملة المخاطبين بذلك. فهم إذن غيرهم.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «جاء أهل اليمن» ، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضي بكمال إيمانهم، ورتب عليه «الإيمان يمان» فكان ذلك إشارة للإيمان، إلى من أتاه من أهل اليمن، لا إلى مكة، ولا إلى المدينة.
ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة.
[ ص: 189 ] لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به، وتأكد اطلاعه منه، ينسب ذلك الشيء إليه، إشعارا بتمييزه به، وكمال حاله فيه.
وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أعقاب موته، nindex.php?page=showalam&ids=12338«كأويس القرني» ، «وأبي مسلم الخولاني» رضي الله عنهما، وشبههما؛ ممن سلم قلبه، وقوي إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارا بكمال إيمانهم، من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم؛ فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم:
قال: «والحكمة» فيها أقوال كثيرة مضطربة؛ قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات «الحكمة» .
وقد «صفا» لنا منها: أن «الحكمة» عبارة عن العلم المتصف بالأحكام؛ المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الهوى، والباطل.
«والحكيم» من له ذلك. وقال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح، فهي «حكمة وحكم» .
وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وغيره في معناها، وقالوا: إنه صفا لنا، فهو موافق لحدها من الفلاسفة، ويقر به في المفهوم، لأنه تعريف اصطلاحي؛ لا حد شرعي.
وأيضا، يدل على أن المراد بالحكمة «السنة» المطهرة لا غير مقارنتها بالفقه. في رواية أخرى.
[ ص: 191 ] وهذه مزية ليس وراءها غاية. وكم من آية وحديث وردت في شأنهم ووصف إيمانهم، ذكرها الشوكاني في بعض مؤلفاته، وذكرتها في «سلسلة العسجد» وغيرها. وحررت ذكر اليمن وبلدة «صنعا» في عدة مؤلفات.
منها «حظيرة القدس» ، «ورياض المرتاض» وذكرت تراجم بعض أهل اليمن، من العلماء العاملين بالكتاب والسنة، في كتابي «إتحاف النبلاء» ، وكتابي «التاج المكلل» ، والحمد لله على ما من به علينا، من انتسابنا في علم القرآن والسنة والفقه إليهم؛ فإنهم هم (السكينة ) أي: الطمأنينة، والسكون، (في أهل الغنم ) .
(والفخر، والخيلاء ) ، «الفخر» ، هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما. «والخيلاء» الكبر، واحتقار الناس.
(في الفدادين ) . زعم nindex.php?page=showalam&ids=12112أبو عمرو الشيباني أنه بتخفيف الدال، وهو جمع «فداد» بتشديد الدال، وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها. حكاه عنه أبو عبيدة، وأنكره عليه.
وعلى هذا: المراد بذلك أصحابها، فحذف المضاف.
والصواب في «الفدادين» بتشديد الدال. جمع «فداد» بدالين «أولاهما مشددة» ، وهذا قول أهل الحديث، nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي، وجمهور أهل اللغة. وهو من «الفديد» وهو الصوت الشديد، فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم، وخيلهم وحروثهم؛ ونحو ذلك.
[ ص: 192 ] وقال أبو عبيدة: هم المكثرون من الإبل، الذين يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف «أهل الوبر» .
والمراد بذلك اختصاص «المشرق» بمزيد من تسلط الشيطان، ومن الكفر، وكان ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم حين قال ذلك. ويكون حين يخرج الدجال من المشرق، وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة، ومثار الكفرة «الترك» الغاشمة العاتية، الشديدة البأس. قاله النووي.