وقيل: هو خلق الكفر في صدورهم. وهو قول أكثر متكلمي أهل السنة.
وقال غيرهم: هو الشهادة عليهم.
وقيل: هو علامة، جعلها الله تعالى في قلوبهم، لتعرف بها الملائكة:
من يمدح ومن يذم.
(ثم ليكونن من الغافلين) .
قال في "السيل الجرار": الأدلة المصرحة بأنها: حق واجب على مكلف، وبأنها: واجبة على كل محتلم، وبالوعيد الشديد على تاركها، وبهمه صلى الله عليه وسلم بإحراق المتخلفين عنها، تقتضي أنها: واجبة على الأعيان.
وأما الاستثناء، فيدل عليه ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998 (أبو داود) من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
قال: ومجرد الترخيص لهؤلاء، لا يدل على عدم صحة الجمعة منهم.
إذ الرخصة: ما خير المكلف بين فعله وتركه، مع بقاء سبب الوجوب والتحريم. كما تقرر في الأصول. انتهى.
وأقول: اشترط الفقهاء لهذه الصلاة، شروطا لا دليل عليها، منها:
الإمام العادل. وليس على هذا الاشتراط أثارة من علم.
بل لم يصح ما يروى في ذلك، عن بعض السلف. فضلا عن أن يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طول المقال في هذا المقام، فلم يأت بطائل قط. ولا يستحق ما لا أصل له، أن يشتغل برده. بل يكفي فيه: أن يقال: هذا كلام ليس من الشريعة، وكل ما ليس هو منها، فهو رد. أي: مردود على قائله، مضروب في وجهه.
[ ص: 189 ] ومنها: المسجد في مستوطن. وهذا الشرط أيضا لم يدل عليه دليل، يصلح للتمسك به، لمجرد الاستحباب، فضلا عن الشرطية.
ولقد كثر التلعب بهذه العبادة، وبلغ إلى حد يقضي منه العجب.
والحق: أن هذه الجمعة فريضة، من فرائض الله سبحانه. وشعار من شعائر الإسلام. وصلاة من الصلوات.
فمن زعم: أنه يعتبر فيها، ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك، إلا بدليل.
وقد تخصصت بالخطبة. وليست الخطبة إلا مجرد موعظة، يتواعظ بها عباد الله.
فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان، قام أحدهما يخطب، واستمع له الآخر، ثم قاما فصليا صلاة الجمعة.
وقد روي: "الاعتماد على سيف أو نحوه" حال الخطبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عنه أيضا: التسليم على الحاضرين، قبل الشروع في الخطبة، من طرق يقوي بعضها بعضا.
فإن صلاة الجمعة، داخلة في هذا العموم، ولا تخرج عنه إلا بمخصص.
ولا مخصص.
بل حديث ( nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) الأول، له (اثنا عشر) طريقا. صحح الحاكم ثلاثا منها.
قال في "البدر المنير": هذه الطرق الثلاث، أحسن طرق هذا الحديث. والباقي ضعاف.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني، من حديث ( nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ) . وله طرق.
وقال الحافظ في "بلوغ المرام": إسناده صحيح. وأقر ( أبو حاتم ) إرساله.
[ ص: 192 ]
فهذه الأحاديث، تقوم بها الحجة.
وأما تعدد الجمعات في مصر واحد، فهذه المسالة قد اشتهرت بين أهل المذاهب، وتكلموا فيها، وصنف فيها من صنف. وهي مبنية على غير أساس. وليس عليها أثارة من علم قط.
وما ظنه بعض المتكلمين فيها من كونه دليلا عليها، هو بمعزل عن الدلالة.
ومن أوقعهم في هذه الأقوال الفاسدة، إلا ما زعموه عن الشروط، التي اشترطوها بلا دليل، ولا شبهة دليل.
فالحاصل: أن صلاة الجمعة: صلاة من الصلوات. يجوز أن تقام في وقت واحد: جمع متعددة، في مصر واحد.
كما تقام جماعات سائر الصلوات، في المصر الواحد، ولو كانت المساجد متلاصقة.
ومن زعم خلاف هذا، فإن كان مستند زعمه مجرد الرأي، فليس ذلك بحجة على أحد. وإن كان مستند زعمه الرواية، فلا رواية.
هذا مما أفاده العلامة (الشوكاني) ، في كتابه: "السيل الجرار". رحمه الله.