(وأن يقعد عليه) . فيه: تحريم القعود. والمراد: الجلوس عليه. وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجمهور العلماء. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "الموطأ".
قلت: وزعم بعضهم أن المراد بالجلوس هنا: التغوط عليه. كأنه صلى الله عليه وسلم كنى عنه بهذا.
وهذا تأويل لا حاجة إليه؛ إذ لا مانع من إرادة ظاهر الحديث، لا شرعا ولا عقلا. إلا أن النهي عن الجلوس والقعود عليه: يشمل ذاك، لكونه من أشنع أنواع القعود.
قال في "السيل الجرار": أما الاقتعاد، فلحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة . يعني: حديث "جمرة ". وقد تقدم.
[ ص: 382 ] وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، من حديث عمرو بن حزم :
وأقول: البناء على القبور حرام، لا مكروه. في أي مكان كان، ولأجل أي قبر كان.
وهذا بالأدلة الثابتة الصحيحة، في الصحيح وغيره، من طرق توجب العلم اليقين؛ "فمنها": الأمر بالتسوية كما تقدم.
"ومنها": النهي عن البناء كما هنا.
"ومنها": النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن فاعل ذلك. وغير ذلك، مما هو مبين في كتب السنة.
وبالجملة؛ فما هذه أول شريعة صحيحة محكمة، وسنة قائمة صريحة، تركها الناس واستبدلوا بها غيرها.
وقد صارت هذه البدعة، وسيلة لضلال كثير من الناس، لاسيما العوام .
فإنهم إذا رأوا القبر وعليه الأبنية الرفيعة، والستور العالية، وانضم إلى ذلك: إيقاد السرج عليه، تسبب عن ذلك الاعتقاد في ذلك الميت.
ولا يزال الشيطان الرجيم، وإبليس اللعين، يرفعه من رتبة إلى رتبة، [ ص: 384 ] حتى يناديه مع الله، ويطلب منه ما لا يطلب إلا من الله عز وجل، ولا يقدر عليه سواه؛ فيقع في الشرك. هذا أمر العوام.
وأما الخواص؛ فلهم عرس الموتى على قبورهم وطوافها، والمراقبة عندها، وانتظار وصول الفيض من أصحابها، والاستمداد بهم في الفرج بعد الشدة، وإيجاب النذور لهم، ووضع الأموال في المقابر، إلى غير ذلك من الكبائر، والإشراك، والبدع.
وأما تخصيص قبور الفضلاء بهذه الداهية الدهماء، والمعصية الصماء، والفاقرة العظمى؛ فلا وجه له.
بل هم أحق: باتباع السنة في قبورهم، وتلك ما حرمته الشريعة الحقة على الناس.
قال الشوكاني (رحمه الله) في "وبل الغمام، حاشية شفاء الأوام": الأحاديث الصحيحة، وردت بالنهي عن رفع القبور؛ وقد ثبت حديث أبي الهياج في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وأخرجه أهل السنن. وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، وأهل السنن:
فما أحق الصلحاء والعلماء: أن يكون شعارهم، هو الشعار الذي أرشدهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وتخصيصهم بهذه البدعة المنهي عنها، تخصيص لهم بما لا يناسب العلم والفضل.
فإنهم لو تكلموا، لضجوا من اتخاذ الأبنية على قبورهم وزخرفتها.
لأنهم لا يرضون: بأن يكون لهم شعار، من مبتدعات الدين ومنهياته.
فإن رضوا بذلك في الحياة، كمن يوصي من بعده: أن يجعل على قبره بناء، أو يزخرفه، فهو غير فاضل.
والعالم يزجره علمه: عن أن يكون على قبره، ما هو مخالف لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
فما أقبح ما ابتدعه جهلة المسلمين من زخرفة القبور وتشييدها!
[ ص: 386 ] وما أسرع ما خالفوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند موته الشريف! فجعلوا قبره على هذه الصفة، التي هو عليها الآن.
وقد شد من عضد هذه البدعة، ما وقع من بعض الفقهاء: من تسويغها لأهل الفضل، حتى دونوها في كتب الهداية. والله المستعان.
قال: ومثل هذا: تسوية الكتب على القبور، بعد ورود صريح النهي عن ذلك في الأحاديث الصحيحة.
كأنه لم يكف الناس ابتداعهم، في مطعمهم ومشربهم وملبوسهم، وسائر أمور دنياهم. فجعلوا على قبورهم شيئا من هذه البدع، لتنادي عليهم بما كانوا عليه حال الحياة.
وتعالوا في ذلك، حتى جعلوه مختصا بأهل العلم والفضل. اللهم غفرا.
انتهى كلامه الشريف. وما أجله، وأجمعه، وأنفعه، وأصحه، وأتقنه، وأرجحه! تلوح منه أنوار الحق والصواب. وعليه من ملابس التحقيق برود الإنصاف. لا شك فيه من وجه ولا ارتياب.
وإن شئت زيادة الاطلاع على هذه المسألة، فعليك "بشرح الصدور، في تحريم رفع القبور".
وإن لم تجده، فارجع إلى "هداية السائل"، فإن فيه شفاء لما في الصدور.