إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .
[10]
إذ أوى الفتية جمع فتى ، وهو الشاب الكامل .
إلى الكهف أي : رجعوا وهربوا إليه ، وأما خبر مصيرهم إلى الكهف ، فقال
محمد بن إسحاق : مرح أهل الإنجيل ، وعظمت فيهم الخطايا ، وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام ، وذبحوا للطواغيت ، وفيهم بقايا على دين المسيح يعبدون الله تعالى ، وكان ملك منهم يقال له :
دقيانوس قد عبد الأصنام ، وقتل من خالفه ، وكان ينزل قرى الروم ، فلا يترك في قرية نزلها أحدا إلا فتنه حتى يعبد الأصنام ، ويذبح للطواغيت ، أو يقتله ، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف ، وسيأتي ذكرها ، فهرب أهل الإيمان منه ، وكان حين قدمها أمر أن يجمع له أهل الإيمان ، فمن وقع به خيره بين القتل وبين عبادة الأوثان ، فمنهم من يرغب في الحياة ، ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله ، فيقتل .
[ ص: 149 ]
فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله ، جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل ، فيقتلون ويقطعون ، ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها ، وعلى كل باب من أبوابها ، حتى عظمت الفتنة ، فلما رأى ذلك هؤلاء الفتية ، حزنوا حزنا شديدا ، وأقبلوا على الصيام والقيام والتسبيح والدعاء ، وكانوا سبعة في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وأسماؤهم عنده :
مكشلمينا ،
ويمليخا ،
ومرطونس ،
ونينوس ،
وسارينوس ،
ودوانوانس ،
وكفشططيوش ، وقيل : كانوا ثمانية ، وكثر الاختلاف في أسمائهم وأنسابهم وحرفهم واسم كلبهم ولونه .
فقالوا ربنا آتنا من لدنك من عندك
رحمة أي : رزقا .
وهيئ وأصلح
لنا من أمرنا الذي نحن فيه ، وهو الإيمان وترك الكفر .
رشدا صوابا ، أي : اجعلنا راشدين . قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر (وهيي ) و (يهيي ) بإسكان الياء الثانية بغير همز .
فظهر عليهم ، وحملوا إلى الملك فقال : اختاروا إما أن تذعنوا لآلهتنا ،
[ ص: 150 ] وإما أن أقتلكم ، فقال
مكشلمينا ، وهو أكبرهم : إن لنا إلها ملك السموات والأرض جلت عظمته ، لن ندعو من دونه إلها أبدا ، وقال بقية الفتية
لدقيانوس كذلك ، فقال الملك : ما يمنعني أن أعجل لكم العقوبة إلا أنكم شباب ، ورأيت أن أجعل لكم أجلا تذكرون فيه وتراجعون عقولكم ، فأخذوا من بيوتهم نفقة ، وخرجوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له : بنجلوس ، واسم الكهف حيرم ، وأقاموا به يعبدون الله فيه ، واتبعهم كلب كان لهم ، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم ، وهو يمليخا ، وكان من أجملهم وأجلدهم ، فكان يبتاع طعامهم من المدينة سرا ، فإذا دخل المدينة ، لبس ثياب المساكين ، ويشتري طعامهم ، ويتجسس لهم الأخبار ، ولبثوا كذلك زمانا حتى أخبرهم يمليخا أن الملك يطلبهم ، ففزعوا لذلك ، وحزنوا ، فبينا هم كذلك عند غروب الشمس يتحدثون ويتدارسون ، إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف .
* * *