[ ص: 385 ] فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [الأنبياء : 88] .
[88]
فاستجبنا له أجبناه
ونجيناه من الغم من تلك الظلمات .
وكذلك ننجي المؤمنين من كل كرب إذا استغاثوا بنا . قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : (نجي ) بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء ، على معنى : (ننجي ) ، ثم حذفت إحدى النونين تخفيفا ، كما جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير وغيره قراءة
ونزل الملائكة تنزيلا في الفرقان [الآية : 25] ، قال
الإمام أبو الفضل الرازي في كتابه "اللوامح" :
ونزل الملائكة تنزيلا على حذف النون الذي هو فاء الفعل من (ننزل ) . قراءة أهل
مكة ووجه النصب في المؤمنين : أن المصدر قام مقام الفاعل ، فبقي الـ (المؤمنين ) مفعولا به صريحا ، تقديره : نجي النجاء المؤمنين ، ونظيره
ليجزي قوما على قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبي جعفر في الجاثية [الآية : 14] ؛ أي : ليجزي الجزاء قوما ، وقرأ الباقون : بنونين ، الثانية ساكنة مع تخفيف الجيم مستقبل أنجينا ، وقد اعترض
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره على قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبي بكر ، وزعموا أنها لحن ، فرد
الكواشي اعتراضهم ، وبين وجه الصحة فيها ، وأشبع الكلام في ذلك .
* * *
[ ص: 386 ]
وتقدم ذكر
يونس عليه السلام ، ووفاته ، ومحل قبره في سورة النساء [الآية : 163] ، وتقدم طرف من ذكر قصته في سورة يونس [الآية : 98] ، ولنذكر في هذا المحل باقيها باختصار ، فنقول وبالله التوفيق :
يونس بن متى عليه السلام ، قيل : إنه من بني إسرائيل ، وإنه من سبط
بنيامين ، وتزوج بنت رجل من الأولياء اسمه
زكريا كان مقيما
بالرملة ، فأقام
يونس عنده ، ثم بعد وفاة
زكريا ، توجه إلى
بيت المقدس يعبد الله تعالى ، وكانت بعثته في أيام
يوثم بن عزيا هو أحد ملوك بني إسرائيل ، وبعثه الله إلى أهل
نينوى قبالة الموصل ، بينهما دجلة ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فنهاهم وواعدهم العذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا ، وضمن ذلك عن ربه -عز وجل- ، وخرج
يونس من بين أظهرهم ، فلما أظلهم العذاب ، آمنوا ، فكشفه الله عنهم كما تقدم في سورة يونس ، وجاء
يونس لذلك اليوم ، فلم ير العذاب حل بهم ، ولا علم بإيمانهم ، فذهب مغاضبا ، ودخل في سفينة من سفن دجلة ، فوقفت السفينة ولم تتحرك ، فقال رئيسها : فيكم من له ذنب ، فتساهموا على من يلقونه في البحر ، فوقعت المساهمة على
يونس ، فرموه ، فالتقمه الحوت ، وسار به إلى الأيكة ، وكان من شأنه ما أخبر الله تعالى به .
وملخص قصته : أن الحوت التقمه ، فكان
يونس يسجد على قلب الحوت ، والحوت يقول : يا
يونس! أسمعني تسبيح المغمومين ، وهو يقول :
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فتقول الملائكة : "إلهنا! إنا نسمع تسبيح مكروب ، كان لك شاكرا ، اللهم فارحمه في كربته وغربته" ، واختلف في مدة لبثه ، فمنهم من قال : أربعين يوما ، وقيل : ثلاثة أيام ، فلما انقضت مدة قدرها الله تعالى له ، أمر الحوت أن يرده إلى الموضع الذي أخذه منه ، فشق ذلك على الحوت ؛ لاستئناسه بذكر الله
[ ص: 387 ] تعالى ، فقيل له : اقذفه ، فقذفه في الساحل ، فذلك قوله تعالى :
فنبذناه بالعراء وهو سقيم [الصافات : 145] ، وخرج
يونس مثل الفرخ المنتوف ، وقد ذهب بصره ، وهو لا يقدر على القيام ، فأنبت الله شجرة من يقطين لها أربعة آلاف غصن ، فكانت فراشه وغطاءه ، وأمر الله الظبية فجاءته وأرضعته حتى قوي ، وهبط
جبريل -عليه السلام- ، فسلم عليه ، وأمر يده على رأسه وجسده ، فأنبت الله لحيته ، ورد عليه بصره ، وأوحى الله إليه بإيمان قومه حين رأوا العذاب ، ثم هبط إليه ملك ، ودفع إليه حلتين ، وقال : سر إلى قومك ؛ فإنهم يتمنونك ، فاتزر بواحدة ، وارتدى بأخرى ، وسار
يونس -عليه السلام- ، فاجتمع بزوجته وولديه قبل وصوله إلى قومه ، ثم وصل الخبر إلى قومه ، فوثب الملك عن سريره ، وخرجوا كلهم إلى
يونس -عليه السلام- ، وسلموا عليه ، وفرحوا به ، وحملوه إلى المدينة ، وأقام فيهم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر إلى أن توفاه الله تعالى ، وفي قصته خلاف بين المفسرين والمؤرخين ، والله أعلم .
* * *