الدرجة السابعة إذا قيل: إن هذه الآيات قد نزلت ، ووردت في حق المشركين عباد الأصنام ، والكفار العبيد للأوثان ، والمحاربين الله ورسوله ، فلا ينبغي أن تكون في غيرهم ممن يؤمن ، ولا تشتمل على من سواهم .
فالجواب : أن
الجامع بين المشركين من الأولين ، والآخرين موجود ثابت مشهود ، وهو الشرك بالله .
فالحكم في ذلك واحد ، لا فرق فيه ؛ لعدم الفارق ، ووجود الجامع .
وقد تقرر في أصول الفقه عند العلماء الفحول : أن العبرة بعموم الألفاظ ، لا بخصوص الأسباب ، وعليه مدار الشرائع ، والأحكام .
وفي الحديث الشريف:
«حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة » .
ويلزم من هذا الاعتراض أن يقال : كل حكم نزل على سبب مخصوص في قصة سالفة ، فهو لا يتعداها إلى غيرها ، وهذا من أبطل الباطلات ، وأكذب الكذبات ، وفيه تعطيل لجريان الأحكام الشرعية على جميع البرية .
فإن آيات الحدود ، والجنايات ، والمواريث ، والديات نزلت في قضايا خاصة قد مضت ، ومضى أهلها الذين نزلت فيهم تلك الآيات ، والنصوص البينات ، وحكمها عام إلى يوم القيامة ؛ لأن العام لا يقتصر على السبب .
وخطابات الشرع تتعلق بالمكلف المعدوم تعلقا معنويا .
[ ص: 226 ]
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في مثل ذلك مما نزل على بني إسرائيل : إنه علينا مثلهم ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
وقال بعضهم : نعم الإخوة بنو إسرائيل ، إذا كان كل حلوة لكم ، ولهم كل مرة .
وفي أصول الفقه : إن شرائع من قبلنا شرع لنا عند الثلاثة .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنه شرع لنا إذا ورد تقريره في شرعنا .
ولا ريب أن هذه المسائل قد ورد شرعنا بتقريرها ، ونطق الكتاب والسنة بتكريرها ، وهذا إنما هو جواب على السؤال ، وإلا فما نهى عنه صلى الله عليه وسلم مشركي العرب ، وقاتلهم عليه ، ونزل في القرآن فيه آيات محكمات غير منسوخة ، فهو للأول ، والآخر ، بل الآيات النازلة فيمن كان قبلنا من الأمم ، نازلة فينا اعتبارا بعموم الألفاظ ، مع أن شرعتنا ، وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم أغنت ، وأقنت ، وكفت ، وشفت ، وأبدت ، وأعادت ، ونصت ، وأظهرت ، والصباح يغني عن المصباح
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم [الجاثية : 36-37] .