وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون [الأعراف : 193] . أي : دعاؤكم لهم عند الشدائد ، وعلمه سواء ، لا فرق بينهما ؛ لأنهم لا ينفعون ، ولا يضرون ، ولا يسمعون ، ولا يجيبون .
وقال تعالى :
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف : 194] أخبرهم سبحانه بأن هؤلاء الذين جعلتموهم آلهة هم عباد الله كما أنتم عباد له .
مع أنكم أكمل منهم ؛ لأنكم أحياء تنطقون ، وتمشون ، وتسمعون ، وتبصرون .
وهذه الأصنام ليست كذلك، ولكنها مثلكم في كونها مملوكة لله ، مسخرة لأمره .
وهذا تقريع لهم بالغ ، وتوبيخ لهم عظيم .
قال
مقاتل : إنها الملائكة ، والخطاب مع قوم كانوا يعبدونها .
والأول أولى .
وإنما وصفها بأنها عباده ، مع أنها جمادات ؛ تنزيلا لها منزلة العقلاء على وفق معتقدهم .
ولذلك قال:
فادعوهم فليستجيبوا لكم ، وهذا اللفظ ورد في معرض الاستهزاء بالمشركين .
إن كنتم صادقين [الأعراف : 194] فيما تدعونه لهم من قدرتهم على النفع ، والضرر ، وأنها آلهة .
ثم بين غاية عجزهم ، وفضل عابديهم عليهم ، فقال :
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا [الأعراف : 195] .
[ ص: 252 ]
الاستفهام للتقريع ، والتوبيخ .
أي : هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم ، فضلا عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم .
فإنكم كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها ليست لهم أرجل يمشون بها إلى نفع أنفسهم ، فضلا عن أن يمشوا في نفعكم ، وليس لهم أيد يبطشون بها كما يبطش غيرهم من الأحياء ، وليس لهم أعين يبصرون بها كما تبصرون ، وليس لهم آذان يسمعون بها كما تسمعون ، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات ، وبهذه المنزلة من العجز ؟
وما أحسن ما قيل:
كافران ازبت بيجان جه تمتع داريد بارى آن بت بيرستيدكه جاني دارد
قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ، وليس بعد هذا التحدي لهم ، والتعجيز لأصنامهم شيء .
وقال تعالى :
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون [الأعراف : 197] .
فيه إهانة للمشركين ، والتنقص بهم ، وإظهار سخف عقولهم ، وركاكة أحلامهم .
وقال سبحانه :
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس [التوبة : 28] .
أي : ذوو نجاسة ؛ لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجاسة .
وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة والقذر ، لخبث باطنهم ؛ مبالغة في وصفهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أعيانهم نجسة ؛ كالكلاب ، والخنازير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
ومعمر ، وغيرهما : وصفوا بذلك ؛ لأنهم لا يتطهرون ، ولا يغتسلون ، ولا يجتنبون النجاسات ، فهي ملابسة لهم .
[ ص: 253 ]
قيل : أراد بالمشركين عبدة الأصنام دون غيرهم من أصناف الكفار .
وقيل : بل جميع أصنافهم ؛ من اليهود والنصارى ، وغيرهم .
قال بعض
الظاهرية : إن
المشرك نجس الذات ؛ استدلالا بهذه الآية .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وابن صالح : من مس مشركا ، فليتوضأ .
وذهب الجمهور من السلف ، والخلف ، ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات ؛ لأن الله سبحانه أحل طعامهم .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله ، وقوله ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده ، وهو الحق .
فلا يقربوا المسجد الحرام نهوا عن الاقتراب للمبالغة في المنع من دخول الحرم .
وهذا النهي راجع إلى نهي المسلمين عن تمكينهم من ذلك. قاله
أبو السعود .
فهو من باب قولهم : لا أرينك هاهنا .
والمراد بالمسجد الحرام : جميع الحرم ، أو المسجد نفسه .
وأما غيره من المساجد : فذهب
أهل المدينة إلى
منع كل مشرك عن كل مسجد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يمنع من دخول غير المسجد الحرام ، وهذا أولى .