وبالجملة : فالميل إلى صقع الجبروت ، ووجوب العمل بما يفك وثاقه من مزاحمة اللطائف السفلية ، والمؤاخذة على ترك هذا العمل بمنزلة أحكام الصورة النوعية ، وقواها ، وآثارها الفائضة في كل فرد من أفراد النوع من بارئ الصور ، ومفيض الوجود وفق المصلحة الكلية ، لا باصطلاح البشر ، والتزامهم على أنفسهم ، وجريان رسومهم بذلك فقط .
وكل هذه الأعمال في الحقيقة حق هذه اللطيفة النورانية المنجذبة إلى الله تعالى ، وتوفير مقتضاها ، وإصلاح عوجها .
ولما كان هذا المعنى دقيقا ، وهذه اللطيفة لا تدركها إلا شرذمة قليلة ، وجب أن ينسب الحق إلى ما إليه مالت ، وإياه قصدت ، ونحوه انتحت ، كان ذلك تعيينا لبعض قوى النفس التي مالت من جهته ، وكان ذلك اختصار قولنا : حق هذه اللطيفة من جهة ميلها إلى الله .
فنزلت
الشرائع الإلهية كاشفة عن هذا السر بعبارة سهلة يفهمها البشر بعلومهم الفطرية ، ويعطيها سنة الله من إنزال المعاني الدقيقة في صور مناسبة لها بحسب النشأة المثالية ، كما يتلقى واحد منا في منامه معنى مجردا في صورة شيء ملازم له في العادة ، أو نظيره ، وشبهه ، فقيل : العبادة حق الله تعالى على عباده .
[ ص: 273 ]
وعلى هذا ينبغي أن يقاس حق القرآن ، وحق الرسول ، وحق المولى ، وحق الوالدين ، وحق الأرحام .
فكل ذلك حق نفسه على نفسه لتكمل كمالها ، ولا تقترف على نفسها جورا .
ولكن نسب الحق إلى من معه هذه المعاملة ، ومنه المطالبة .
فلا تكن من الواقفين على الظواهر ، بل من المحققين للأمر على ما هو عليه .