واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع ، وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين .
أحدهما :
ظنهم بالله ظن السوء .
والثاني : أنهم لم يقدروا الرب حق قدره .
فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ، ولا أنزل كتابا ، بل ترك الخلق سدى ، وخلقهم عبثا .
ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته ، وتعلقها بأفعال عباده ؛ من طاعاتهم ، ومعاصيهم ، وأخرجها عن خلقه ، وقدرته .
ولا قدر الله حق قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا : إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله ، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه .
وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبده على فعل ، ثم يعاقبه عليه ، فكيف يصدر هذا من أعدل العادلين ؟
وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين .
ولا قدره حق قدره من نفى رحمته ، ومحبته ، ورضاه ، وغضبه ، وحكمته مطلقا ، وحقيقة فعله ، ولم يجعل له فعلا اختياريا ، بل جعل أفعاله مفعولات منفصلة عنه .
ولا قدره حق قدره من جعل له صاحبة ، وولدا ، أو جعله يحل في مخلوقاته ، أو جعله عين هذا الوجود .
ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله ، وأهل بيته ، وجعل فيهم الملك ، ووضع أولياء رسوله ، وأهل بيته .
[ ص: 310 ]
وهذا يتضمن غاية القدح في الرب -تعالى عن قول الرافضة - .
وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين : إنه أرسل ملكا ظالما ، فادعى النبوة ، وكذب على الله، ومكث زمنا طويلا يقول : أمرني بكذا ، أو : نهاني عن كذا ، ويستبيح دماء أولياء الله ، وأحبابه ، والرب تعالى يظهره ويؤيده ، ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه ، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه ، ويقيم دولته على الظهور ، والزيادة ، ويذل أعداءه أكثر من ثمان مائة عام .
فوازن بين قول هؤلاء ، وقول إخوانهم من الرافضة ، تجد القولين سواء .
ولا قدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى ، ولا يبعث من في القبور ليبين لعباده الذي كانوا فيه يختلفون ، ويعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين .
وبالجملة : فهذا باب واسع جدا .