بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، حمدا يليق بشأنه العلي الرفيع مسعودا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والأمر شهادة من لا يتخذ من دونه سبحانه معبودا، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله الذي بعثه إلى الخلق كافة، وأرسله للعالمين رحمة، أكرم به مرسلا مبعوثا أعطي مقاما محمودا، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وحملة علومه وأولياء أمته صلاة مباركة عليها ولها وفيها وسلاما مرضيا مشهودا.
أما بعد: فيقول الإنسان الضعيف، المكلف الحنيف، عبد الله ورقيقه وابن عبده وأمته، عفا الله عنه كل خطأ ونسيان، وما استكره عليه من جهة أي إنسان:
هذا كتاب ناطق ببيان ما دلت عليه كلمة الإخلاص، والتوحيد، وأفهمته من رد أنواع الضلال من الشرك والبدعة، والتقليد، وهي التي جعلها إبراهيم الخليل -عليه السلام- كلمة باقية في عقبه موصلة أصحابها إلى دار السلام.
طالما كان يخطر لي بالبال أن أحرر في تيك الدلائل صحيفة كاملة، وأحبر لتلك المسائل رقيمة حافلة.
ولكن يعوقني الزمان الحاضر الحائز للفتن عن البلوغ إلى هذا المرام، ولا يساعدني الدهر الماشي على خلاف المراد على سلوك هذه السبل، سبل السلام.
وكنت دائما بالمرصاد، لانتهاز الفرص تحصيلا لهذه البغية على ما يراد، إلى
[ ص: 8 ] أن وجدت بحمد الله، وحسن توفيقه فرصة نزرة اختطفتها من أيدي آناء الليل والنهار، وزمانا يسيرا سرقته من حركات الفلك المحدد الدوار، مع هجوم الأشغال، وتشتت البال من كثرة الأسقام والاعتلال، واختلاف الرجال.
فجعلتها وقتا لزبر هذا المرقوم على سبيل الارتجال، وجناح الاستعجال، بالتفصيل والإجمال.
فجمعت حسبما تمكنت، وقدر ما تحصلت آيات بينات، وأحاديث شريفات وردت في إثبات التوحيد، ونفي الإشراك، واتباع السنة، ورد البدعات، مع تفسيرها الذي أذعن له سلف الأمة، وأئمتها بالتلقي، والقبول، ضاما إليها من مقالات أهل العلم المتقدمين منهم والمتأخرين ما وقفت عليها، جامعا لأشتات هذه الأبواب المتفرقة في الدواوين المؤلفة إليها.
فجاء بحمد الله أجمع ما جمع في هذا العلم.
وظني أن هذا المجموع -مع كونه شذر مذر؛ لفقد ترتيبه المتقن، وعدم تهذيبه المستحسن- عزيز الوجود في بابه، خطيب الخطباء في مسجد التوحيد و محرابه.
يا هذا! هذه صحائف العلماء المشهورين المختصرة منها، والمطولة بين يديك، وهاتيك السباقات العريضة، والبطاقات الوجيزة بين ظهرانيك.
انظر فيها، وارجع إليها، تجدها لا تبلغ هذا الكتاب، ولا أدنى مداه، ولا تساوي شيئا منه، بل لا تحكي أيسر هداه.
إذا تأملت في هذا الرقيم صدقت ما قلت لك.
وإذا رقيت على سلم تحقيقه، صعدت -إن شاء الله- إلى أوج الفلك.
وقلت:
إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم .
إن كنت ممن احتظى بإيثار الحق على الخلق الباطل، وعاد جيد فهمك
[ ص: 9 ] الصحيح عن أغلال الضلال عاطل، وإلا فكم يتلى القرآن الكريم بين ربوعك، وكم تدرس هذه السنة المطهرة في مطاوي أسبوعك، وأنت لا تبالي لها بالا، ولا تخاف من غفلتك وإعراضك عنها وبالا، بل ولا تلين لها جلود أحد من الأقربين والأبعدين، مع أنهم يدعون الإسلام، وظنوا أنهم من زمرة المسلمين المؤمنين.
فيالله العجب من قوم ضربوا كسبا للعلوم في الأغوار والأنجاد أكباد المطايا والخيول، ورهط أدركوا من دقائق الفنون كل معروف ومجهول، ومحسوس ومعقول، لكنهم عن درك الحقائق القرآنية العليا والدقائق الحديثية الحسنى بمعزل، حيث يعترفون بجهلهم لها، وعجزهم عنها.
وفي هذا عبرة بالغة للمعتبرين، ممن يعرف مدارك الدين، ويخاف يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين.
ومن ثم تراهم قد وقعوا من الشرك في حيص بيص، وأجابوا من البدع بـ «نعم» لإبليس.
فهذا السفر جاءك نذيرا للمشركين، وبشيرا للمسلمين، يقود أهل الإيمان إلى إخلاص التوحيد المفيد، ويقيهم عن الاقتحام في النار القائلة: هل من مزيد؟
فمن كان شحيحا بدينه، حريصا على يقينه، فعليه أن يصرف ساعة يسيرة من أوقاته الشريفة في الخوض في هذا الكتاب، ومبانيه، ويتخذ زادا كافيا وافيا شافيا لآخرته من محاسن معانيه، فعسى الله أن يهديه إلى اجتياز الصراط المستقيم، وينقذه برحمته الواسعة عن التهافت في نار الجحيم.
إن أريد من جمع هذا إلا الإصلاح، وفلاح الأشباح التي فيها تلك الأرواح، وما توفيقي إلا بالله.
اللهم أصلح لي شأني كله أولا، وشأن أخلافي، ومن انتفع بهذا الكتاب ثانيا؛ فإنه لا مانع لما أعطيت، ولا راد لما قضيت.
وهل يتمكن أحد من السلامة من البلوى إلا من وفقه الله بإيثار الحق على الخلق، واختيار التقوى؟!
[ ص: 10 ]
ومن ذا الذي يوفق أحدا بالخير، والطاعة إلا الله سبحانه وتعالى؟!
فاجعل اللهم توفيقك الحق لنا طريقا، ولا تجعل هذا، ولا ذاك علينا وبالا.
وحيث إن هذا المجموع اشتمل على نصيبين:
نصيب في بيان
إثبات التوحيد، ونفي الشرك بجميع أنواعه، والأصناف.
ونصيب في
التحريض على اتباع السنة، ورد البدعات بأقسامها والأطراف، وكان غاية في باب إخلاص التوحيد لله رب العالمين، والاجتناب عن الإشراك، والبدع تمحيضا للدين عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، سميته: «الدين الخالص»، مقتبسا اسمه من قوله تعالى:
ألا لله الدين الخالص [الزمر: 3].
خلصنا الله، وعقبنا وجميع المسلمين من شرك الإشراك، وحلانا بحلي التوحيد الخالص المحض الصرف مع صحيح الإدراك، فما ذلك بعزيز عليه -عز وجل-، وخير الكلام ما قل ودل.
* * *